مقالات

إعادة التعددية والتنوع للتاريخ الفلسطيني

إعادة التعددية والتنوع للتاريخ الفلسطيني

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – بعض الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين والعرب يقعون في الفخ الصهيوني عندما يجهدون في ابراز هوية فلسطين وتاريخها العربي، فالرد على محاولة الصهيونية التي حاولت احتكار التاريخ الفلسطيني ونفي الآخر منه ضمن عقلية استعمارية عنصرية استعلائية، من خلال ابراز أهمية التاريخ الغني الذي تشعر البشرية أو معظمها على الأقل أنها ترتبط به ولها فيه جذور خاصة.

فالتاريخ الفلسطيني هو تراث يهم الانسانية جمعاء. الصهيونية هي من اراد تزوير هذه الحقيقة عبر مخططاتها لتلفيق تاريخ يسكت عمليا التاريخ الفلسطيني الرائع والمتنوع ويحصره وكأنه تاريخ بني إسرائيل وحدهم.

مشكلتنا مع الرواية الصهيونية هي بادعائها انها تملك “طابو حصريا بملكية ارض فلسطين” وهذا الادعاء كان بحاجة ان تُسكت الصهيونية التاريخ الفلسطيني بما فيه من تعددية وتنوع وتقوم بتقديمه وكأنه تاريخ يخصها وحدها. كل البناء الهيكلي للرواية الصهيونية ينحصر بفكرة ملكية الأرض والتي اعتبروها خالية من السكان، اما الغرب الاستعماري الذي كان يبحث عن جذوره الحضارية في فلسطين ليس لأسباب ثقافية وحسب وإنما لأسباب إمبريالية، اخترع إسرائيل القديمة لتكون مماثلة لدولهم القومية الحديثة، وساهم بشكل فعال في إسكات التاريخ الفلسطيني واخراجه من تسلسله الغني المتنوع.

لقد تعرضت فلسطين لغزوات كثيرة من مختلف الحضارات القديمة والحديثة، وكل غزو كان يترك اثره في التاريخ الفلسطيني، ويتأثر به اهل فلسطين الاهليين. الحضارة المصرية، الأشورية والبابلية العراقية، الاغريقية والفارسية والرومانية، ثم الفتح العربي الاسلامي، وهذا الأخير غير جوهريا في قوام التاريخ الفلسطيني وباتت اللغة العربية هي اللغة السائدة والدين الاسلامي دين الغالبية العظمى من أهل البلاد.

ثم عادت علاقة فلسطين بأوروبا من خلال الحملات الصليبية التي اتخذت من فلسطين “الأرض المقدسة” مبررا لغزوها للشرق. ولم يكن المماليك والأتراك آخر المتدخلين في التارخ الفلسطيني فقد عادت الدول الاوروبية مجددا ومعها المشروع الصهيوني.


اقرأ|ي أيضاً| احذروا وسواس كهنة معابد الأصنام البشرية


قبل الصهيونية كان الشعب الفلسطيني متصالح مع تاريخه التعددي المتنوع والثري، وحتى مع بدايات التغلغل الصهيوني لم يدرك الفلسطينيون ان الغزو يستهدف تاريخ بلادهم بهذه الطريقة العنصرية، لذلك هم تأخروا قليلا في رؤية ان الصراع يدور على الماضي كما يدور على الحاضر، وربما الصراع على الماضي كان الأشد خطرا لأنه يتضمن عمل منظم لتزوير التاريخ بهدف السيطرة على الحاضر. كما لم يدرك الشعب الفلسطيني مبكرا ان الخطاب الاستشراقي قد كرس ضمن شبكة معقدة الرواية الصهيونية وربما قبل ان يلتفت اليهود انفسهم لها.

تحرير تاريخ فلسطين من السطو الصهيوني، لا يحتمل الانغلاق بل على العكس تماما، تحرير هذا التاريخ يتطلب اعترافا بتنوعه وتعدديته وثرائه، فهو تلخيص رائع للحضارة الانسانية.

وقد تكون بدايه كل شيء من الاعتراف بفرادة تاريخ فلسطين، فهو من جانب يشبه تاريخ الشعوب الأخرى من حيث تناوب الحضارات عليه، لكنه يتفرد بأنه مصدر الأديان التي يتعلق ويؤمن بها مليارات من البشر.

عندما ادعت الصهيونية بان فلسطين أرض خالية بلا شعب، انما ارادت رسم تاريخ فلسطين وحاضرها ومستقبلها كما يحلو لها، اما الواقع الذي تجهد إسرائيل على محوه فيقول ان لهذه الاأض شعب يملكها وهو شعب متصالح مع تاريخ بلاده ويحترم ما فيه من تعددية حضارية.

فقبل ان تصل الصهيونية الى فلسطين كانت الأديان الثلاث متعايشه فيها، المسلم الفلسطيني مع اخوته الفلسطينيين المسيحيين واليهود، لم يكن هناك صراع على المقدس، بل كان هناك تقبل للوجود المشترك والمتجاور في المكان، والدليل ان الشعب الفلسطيني حافظ على هذا التراث الغني من أديان وحضارة وآثار ولم يشعر بحساسية تجاه هذا التنوع لأنها تمثل تاريخه الخاص به ولعل الأسلوب الأنجع في مواجهة الرواية الصهيونية هو باستعادة تنوع وتعددية التاريخ الفلسطيني وليس من خلال فكرة احتكار مقابل احتكار لهذا التاريخ اما الأرض فهي ملك الشعب الفلسطيني الذي بدوره متعدد الأديان والثقافات والذي لم ينقطع وجوده عليها.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى