مقالات

ترجل عاشق فلسطين

ترجل عاشق فلسطين

شعاع نيوز – الكاتب: عمر الغول – صدى صوته العذب والهادر يخترق أعماق المستمع اليه، يجذبك كمغناطيس لتستمع له، يستقطب حواسك ومشاعرك ويجول عميقا في دواخل الانسان، حتى لو لم يكن ملتزما، ولا وطنيا، ويبكيك كثيرا حينما يغرد “من عكا وخرجت جنازة” مستحضرا إعدام الانتداب البريطاني شهداء فلسطين وثورتها فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير، او حين يصدح “اشهد يا عالم علينا وع بيروت” و”هبت النار” و”جمع الاسرى جمع” و” يا ظريف الطول” و”دوس ما أنت دايس” و”يا ديرتي حملوه” و”يا مهيرتي فوق الجبل” وكل اغنية من أغانيه التي تقارب الثلاثماية أغنية، التي كانت بمثابة ملحمة، وكل اغنية منها بمثابة حكاية فصل من حكايا الشعب بصوته الاخاذ والآسر.

حسين منذر (أبو علي) قصة شعب وأمة عربية في آن، هو الطفل النابت في مدينة الحضارة والتراث، بعلبك الشامخة لوالدين لبنانيين، في زمن النكبة الفلسطينية، التي عاش مأساتها، وتسربت الى أعماق وعيه، حتى سكنته، وباتت لا تفارقه، فتعمد بالانتماء لثورتها المعاصرة وظاهرتها العلنية في قواعد حركة فتح في لبنان العرب، الذي احتضن قواعد ومركز قرار الثورة من نهاية ستينيات القرن الماضي.

رحل صاحب الصوت الشجي، الذي عانق بحنجرته جبال لبنان وفلسطين وسوريا وكل ارض العرب مساء يوم الاحد الموافق 17 من أيلول / سبتمبر الحالي (2023) في دمشق، العاصمة السورية، التي عاش فيها، وأسس وطور فرقة العاشقين العظيمة، التي احتضنت مجموعة من الجنسين أصحاب الأصوات الآسرة، والتي تعملقت في مسيرة الفرقة الرائعة، وكانت وستبقى أصواتهم الى جانب الصوت الهادر، صوت أبو علي إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الفن الغنائي والفلكلور الفلسطيني.

وما اعطى فرقة العاشقين عموما وصوت قائدها جمالية إضافية وفريدة كلمات الأغاني التي نظمها الشاعر الفلسطيني الكبير، واحد رموز الثقافة الوطنية، الراحل احمد دحبور، والموسيقي المبدع والخلاق الراحل حسين نازك، ورعاية دائرة الثقافة بقيادة القائد الوطني الكبير الراحل عبدالله حوراني (أبو منيف)، التي تبنت تأسيس الفرقة عام 1978، ومنحتها كل مقومات البقاء والعطاء. هذا الالتحام الفذ بين الأصوات الشجية وفي مقدمتها قائد الفرقة حسين منذر، وكلمات الشاعر المبدع دحبور والموسيقار العظيم نازك شكل توليفة فاقت كل التقديرات في التسيد على كل الفرق الوطنية والقومية المنافسة، ووصل صداها وحضورها كل بقاع الأرض، حيث جالت على العديد من دول العالم، وتركت بصمات قوية، وما زالت أغاني الفرقة حاضرة بقوة في أوساط الشعب الفلسطيني. لأنها كانت احد عناوين الصمود والشحن المعنوي، وصوت الفداء والثورة والانسان.

غنى ابن فلسطين ولبنان والعرب الجرح الفلسطيني النازف، وحلق عاليا في فضاء الوطن السليب وفي الشتات والمهاجر حتى سكن في قلوب أبناء الشعب والأمة. لأنه كان يحاكي ويلامس مأساتهم، وآمالهم وطموحاتهم واحلامهم، ويحمل لهم باقات الفرح، ويحثهم على مواصلة الكفاح التحرري حتى تحرير الأرض والانسان والحقوق الوطنية.

كادت الفرقة تضيع في زحمة الاحداث والتطورات العاصفة، التي ألمت بالشعب الفلسطيني عموما. ولكن احد رجال الاعمال الفلسطينيين الوطنيين أعاد لها روح البقاء والديمومة والاستمرارية، وتمكن الشادي الهادر من تجديد فرقته الى ان فارق الحياة قبل ثلاثة أيام خلت، وآمل ان تتمكن الفرقة من مواصلة طريق العطاء لتغني الفرح والوجع الفلسطيني. وهذا يتطلب من جهات الاختصاص الفلسطينية في منظمة التحرير تقديم كل اشكال الدعم لها لتحافظ على ميراثها الإبداعي الخلاق، وتواصل طريق قائدها الراحل الفنان الأصيل حسين منذر.

ونتاج دوره الرائد في منح الفرقة الزخم الفني المتميز منحه الرئيس محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون “مستوى الابتكار” تقديرا لمسيرته الفنية والنضالية المشرفة، وتثمينا لعطائه والتزامه الفني في قيادة فرقة العاشقين عام 2018، ولإيصاله صوت ورسالة الشعب والثورة الى العالم كله.

سيبقى صوت حسين منذر وفرقة العاشقين عموما خالدا في سجل الفن الوطني والقومي والإنساني. ورحم الله أبو علي ابن فلسطين ولبنان والعروبة. ولروحه الف سلام.


اقرأ|ي أيضاً| فلسطين تتعاضد مع أشقائها

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى