شؤون عربية و دولية

تصعيد البرلمان يمهد لتغيير الحكومة المصرية

شعاع نيوز-كشفت حالة التصعيد البرلماني في مصر ضد وزراء حكومة مصطفى مدبولي عن وجود نية لدى النظام المصري في تغيير بعض الوجوه داخل دولاب الحكومة أو كلها، عقب فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل أيام بولاية رئاسية ثالثة، وما يستدعيه ذلك من وجود حكومة جديدة غير تلك التي تتحمل سياساتها جزءا كبيرا من مسؤولية تفاقم الأزمات المعيشية.

واعتاد الشارع في مصر أن يترقب تعديلا أو تغييرا حكوميا بعد كل تصعيد مفاجئ ومستمر من البرلمان تجاه الوزراء دفعة واحدة، للإيحاء بأن المجلس كجهة تشريعية ورقابية كانت له كلمة في تغيير الوجوه المغضوب عليها في الشارع، بحيث تُحسب له هذه الخطوة سياسيا ويستعيد جانبا من بريقه. وتلعب المؤسسة التشريعية دورا مهما وحيويا في امتصاص غضب الشارع بالتقدم بطلبات الإحاطة لعدد كبير من الوزراء، بل إن هناك انتقادات حادة للحكومة واتهامات بالفشل في السيطرة على السوق، والإخفاق في وضع إستراتيجية اقتصادية واجتماعية ناضجة على مدار سنوات مضت.

وبلغ الأمر حد انتقاد رئيس مجلس النواب حنفي جبالي للتشريعات التي أصبحت تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان التي يرى أنها لا تتفق مع توجهات المجلس، وتعبر عن ضيق أفق واضح من الكيانات القانونية التابعة للوزارات المختلفة.

وباتت الحكومة محاصرة بالانتقادات الحادة من جانب البرلمان والإعلام والوجوه القريبة من النظام، في محاولة لامتصاص الغضب المحتدم في الشارع، والتأكيد على أن النظام لا يتستر على حكومة تبنت قرارات خاطئة واتخذت إجراءات لم تراع مصالح الناس، ومن الواجب محاسبتها أو إقالتها.

وجرى العرف أن يتم تغيير الحكومة بعد انتهاء الولاية الرئاسية، وبداية حقبة جديدة، كما يتيح الدستور للرئيس أن يعفي الحكومة من مهامها، بعد التنسيق مع مجلس النواب، ولا يشترط ذلك أن ينتظر حتى يتقدم رئيس الوزراء باستقالته، ويمكن تغييرها في أيّ وقت بعد الانتخابات الرئاسية.

وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن تغيير الحكومة أمر ضروري مع بدء حقبة رئاسية جتغيير الحكومة

ديدة وسعي الدولة نحو تطوير الأداء وفق متطلبات المرحلة في ظل تزايد التحديات، لكن من المهم تحسين السياسات نفسها، بغض النظر عن الأسماء، مع وجود رقابة برلمانية مستدامة.

وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة الحالية موجودة منذ حوالي ست سنوات، وهناك تحديات في قطاعات مختلفة، والدولة لديها تقارير عن أداء كل وزارة، ولا شيء يخضع للمجاملات، والمهم المصلحة العامة، وثمة رغبة قوية لوجود وزراء يملكون حسا سياسيا بما ينعكس إيجابيا على قدرتهم في التفاعل مع الشارع.

ويخول الدستور المصري لرئيس الجمهورية إجراء تغيير حكومي بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، ويرسل كتابا بذلك إلى مجلس النواب يبين فيه الوزارات المراد إجراء تعديل فيها، وتكون الموافقة على التعديل بموافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين وبما لا يقل عن ثلث عدد النواب، وهي خطوات اقتربت كثيرا.

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن الغرض غير المعلن من اتساع نطاق الانتقادات البرلمانية والإعلامية وتحولها إلى ما يشبه الاتهامات المباشرة للحكومة وأعضائها تحييد الرئيس السيسي وإخراجه من معادلة الأزمات المتراكمة وما يكتنفها من تقديرات تستوجب محاسبة من تسببوا في وصولها إلى مستوى خطير.

ويشير التصعيد البرلماني في مصر الأيام الماضية إلى اقتناع النظام الحاكم بأن صلاحية حكومة مدبولي انتهت سياسيا وشعبويا، ما يتطلب إعفاءها من المسؤولية، بعد استنزاف أدواتها الاقتصادية والسياسية، ومن الضروري البحث عن رئيس جديد ووزراء من التكنوقراط لإدارة الدفة في الفترة المقبلة.

ولم يكن مألوفا أن يتقدم نواب تابعون لحزب مستقبل وطن، المعروف بعلاقته القوية بالحكومة والظهير السياسي لها، بطلبات إحاطة عاجلة لوزراء مسؤولين عن حقائب خدمية. ومضت بعض الأسماء المعروف أنها قريبة من السلطة على نفس النهج، وكأن هناك إدراكا بأن وقت رحيل الحكومة قد آن لتغييرها فورا.

وحققت مصر جانبا كبيرا من الاستقرار الأمني والسياسي ونجح النظام في الوصول إلى أهداف كثيرة في تثبيت ركائز الدولة، لكن هذه الطريقة لم تحظ بقبول سياسيين ومواطنين، وأخفقت في تخفيف حدة المعاناة الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية، على الرغم من تدشين الكثير من برامج الحماية الاجتماعية.

وتبنى نواب، من بينهم محسوبون على الحكومة، لغة شبيهة بتلك التي يتحدث بها مواطنون في الشارع، برفضهم الاعتراف بالأزمات الخارجية بأنها السبب في مشكلات الداخل، مثلما تروّج له الحكومة، بل إن بعضهم انخرط في رصد مواطن فساد وتقصير إداري وفشل متراكم يستدعي محاسبة الحكومة ووزرائها.

ويرى مراقبون أن انخراط النواب في تقديم طلبات إحاطة عاجلة لوزراء الحكومة محاولة لظهور البرلمان على أنه يرتدي ثوب المعارضة، وهي صيغة مقبولة لدوائر سياسية تبحث عن تحسين صورة البرلمان في الشارع، وترسل إشارات تفيد بوجود تغير في التعامل مع المشكلات الداخلية من جانبه.

ويدعم هؤلاء المراقبون ذلك التحرك، لأنه سوف ينعكس بشكل إيجابي على أداء الحكومة الجديدة من حيث الخطة والأهداف والأسماء المرشحة، بحيث تكون هناك شخصيات في الحقائب الوزارية تحظى بقبول نسبي لدى مجلس النواب والشارع على حد سواء، على الأقل تستطيع أن تجد حلولا للأزمات المتراكمة.

وثمة شريحة من المصريين غير مقتنعة بكل هذه الانتقادات البرلمانية للحكومة، لأنهم اعتادوا على أن يكون تصعيد مجلس النواب مرتبطا بالضرورات السياسية، دون أن يؤدي ذلك إلى نتائج إيجابية على مستوى محاسبة الوزراء على إخفاقاتهم أو تقود إقالة الحكومة إلى تحسين مستوى المعيشة وندرة الأعباء.

وتكمن الأزمة الحقيقية في قناعة قطاع من المواطنين، بأن البرلمان يتحرك وفق الخطوط المرسومة له فقط، نظرا إلى تركيبته السياسية، حيث يسطر على غالبية أعضائه نواب محسوبون على الحكومة، وما يحدث علانية يجري الإعداد له في الخفاء ليظهر بتلك الصورة أمام المواطنين كمؤسسة معارضة.

وما يجعل البعض من السياسيين على قناعة بأن الانتفاضة البرلمانية خطوة استباقية لإقالة الحكومة، وليس مجرد محاسبتها فقط، أن مثل هذه التحركات تكون موسمية ثم يعود مجلس النواب إلى وضعيته القديمة سريعا، بالاصطفاف خلفها ودعم سياساتها وتأييدها ولو كانت مرفوضة من الأغلبية الشعبية.

ويؤكد هؤلاء السياسيون أن جدية البرلمان تقاس باستمرار تدخله الفوري والجاد للتعامل مع القضايا المسكوت عنها في مجالات متعددة، ولا يمكن القياس على حدوث تطور ملحوظ في عمله بالتصعيد ضد الحكومة مع اقتراب رحيلها، لكن المطلوب في الحقبة الرئاسية الجديدة أن يمارس البرلمان دوره رقابيا، وباستمرار.

وأكد إكرام بدرالدين لـ “العرب” أن وجود محاسبة برلمانية يحسّن من الأداء الحكومي ولا يعطله، ولا يجب أن يتحمل الرئيس فوق طاقته، كما أن الأداء التشريعي الإيجابي يزيد ثقة الشارع في النواب، ووجود هذه الرقابة تجعل كل مسؤول يتحمل ملفاته ويسرّع من وتيرة الإنجاز، وهذا مطلوب لمواجهة التحديات على الأرض.

وهناك شبه توافق بين دوائر النظام العقلانية بأن أنسب تصور سياسي في المرحلة الراهنة قيام مجلس النواب بدور المعارضة المتزنة طالما لا توجد قوى حزبية لديها القدرة على القيام بهذا الدور، بغض النظر عن أسباب هذا الاختفاء، لأنه لا غنى عن الاشتباك المنضبط بين البرلمان والحكومة لاسترضاء الشارع.

ويعد حراك البرلمان المتصاعد ضد الحكومة صيغة مقبولة لدى الرئيس السيسي نفسه، باعتباره اعتاد أن توجه إليه وحده انتقادات كثيرة بسبب إخفاقات بعض الوزراء المسؤولين عن قطاعات حيوية تمس صميم حياة الناس، في حين أنه يحتاج إلى جهة رقابية لها أنياب تحاسب المقصرين وتمارس عليهم الرقابة باستمرار.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى