شؤون عربية و دولية

قمة تاريخية لـ«الناتو» غداً تركز على دعم أوكرانيا

شعاع نيوز:   عندما قرر قادة البلدان الأعضاء في «الناتو» التجاوب مع طلب إسبانيا عقد القمة العادية لهذا العام في مدريد، كان الحلف العسكري الأطلسي يواجه واحدة من أخطر الأزمات التي مر بها منذ تأسيسه في واشنطن عام 1949 ويتساءل كثيرون من أعضائه حول مسوغات وجوده خاصةً بعد أن تكررت التلميحات الأميركية على عهد الرئيس السابق دونالد ترمب بفك الارتباط العسكري مع الحلفاء الأطلسيين، وبعد الانسحاب المفاجئ الذي قررته إدارة جو بايدن الصيف الماضي من أفغانستان من غير التنسيق حتى مع أقرب حلفائها.

يومها لم يكن أحد يتصور أن أوروبا كانت على أبواب أكبر تحول أمني في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية سيعيد الحياة إلى الحلف المحتضر ويدفع القارة إلى مراجعة جذرية لسياساتها الدفاعية ويفرض معادلات جديدة في التوازنات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وإذا كانت قمة مدريد التي تنطلق أعمالها غداً «تاريخية بكل المعايير» كما قال الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبيرغ خلال محادثة مع مجموعة من وسائل الإعلام بينها «الشرق الأوسط»، فإن القمة السابقة التي استضافتها العاصمة الإسبانية منذ خمسة وعشرين عاماً بالتحديد في مثل هذه الأيام من العام 1997، كانت هي أيضاً تاريخية، وربما مؤسسة لجذور الحرب التي قررت موسكو إعلانها على النظام القائم للتوازنات الأمنية في أوروبا والعالم.

في تلك القمة التي انعقدت خلال رئاسة بيل كلينتون وتولي الإسباني خافيير سولانا الأمانة العامة لحلف الناتو، تقررت توسعة العضوية لتضم بلدان الشرق الأوروبي التي كانت ضمن حلف وارسو، بولندا والمجر وتشيكيا، وقبول ترشيح رومانيا وسلوفينيا. يومها قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك «إن انفتاح الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي على الديمقراطيات الحديثة في الشرق هو في مصلحة جميع الأوروبيين».

لكن الرئيس الروسي آنذاك، بوريس يلتسين، اعتبر تلك القمة إذلالاً لبلاده ورفض الدعوة لحضورها، والطرح الأميركي بأن الغرب لم يعد هو العدو، بل عدم الاستقرار في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يومها انتقدت موسكو بشدة قرار توسيع عضوية الحلف، والاتفاق الأمني الذي أبرمه مع أوكرانيا التي كانت خرجت لتوها من تحت الوصاية الروسية، والتي وصف وزير خارجيتها ليونيد كوشما القمة أنها بأهمية سقوط جدار برلين، وأعرب عن رغبة كييف في الانضمام إلى الحلف. أما وزير الخارجية الروسي في ذلك الوقت يفغيني بريماكوف فقد وصف قرار التوسعة بأنه «خطأ جسيم ارتكبه الغرب، ربما هو الأخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية»، وهو نفس التصريح الذي يكرره فلاديمير بوتين منذ سنوات.

يقول الأمين العام للحلف الأطلسي «إن الغزو الروسي لأوكرانيا يشكل بداية عصر أمني جديد أعطى هذه القمة بعداً حاسماً في إرساء القواعد الجديدة للحلف وللأمن في القارة الأوروبية التي بعد سبعين عاماً من السلم تجد نفسها من جديد أمام الخنادق والمقابر الجماعية والمدن تحت القصف».

وإذ يوضح ستولتينبيرغ أنه «لا توجد حرب شاملة بين الحلف الأطلسي وروسيا» يرجح أن تكون نهاية هذا النزاع حول طاولة المفاوضات، ويقول «مسؤوليتنا هي أن نضمن لأوكرانيا أقوى موقف ممكن، ومساعدتها لتبقى دولة أوروبية مستقلة وذات سيادة، والسبيل الأفضل لذلك هو تزويدها بالدعم العسكري القوي وفرض عقوبات قاسية على روسيا».

ومن المقرر أن توافق قمة مدريد على «المبدأ الاستراتيجي الجديد» للحلف الذي سيشكل إطاراً لنشاطه ويحدد شروط عملياته في المستقبل، إضافة إلى قرار نشر قوات أطلسية على نطاق واسع في بلدان الشرق الأوروبي، هي الأكبر منذ الحرب الباردة، وتزويدها بأحدث المعدات والأسلحة، وبقدرات على التحرك السريع لصد أي هجمات محتملة تتعرض لها الدول الأعضاء.

ويقول الأمين العام لحلف الناتو إن التركيز في الوقت الراهن هو على روسيا وأوكرانيا، لكن حلف الناتو سيناقش أيضاً التهديدات الأمنية الأخرى، مثل الإرهاب وعدم الاستقرار في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل. وكشف أن القمة ستوافق على منح موريتانيا حزمة جديدة من المساعدات لمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود وتعزيز الأمن والدفاع.

وتقول مصادر مطلعة إن النقاش الرئيسي في القمة سيدور بين دول الشرق الأوروبي المحاذية لروسيا أو القريبة منها، التي تريد زيادة عديد القوات الأطلسية على أراضيها ورفع مستواها من أفواج وفيالق إلى فرق تحت إمرة جنرال وبقائها بصورة دائمة، ودول أخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا التي تفضل الإبقاء على الاستراتيجية الحالية التي تقوم على نظام التناوب وتعزيز الوحدات عند الاقتضاء. يشار إلى أنه في العام 2017، أي بعد ثلاث سنوات على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، نشر الحلف الأطلسي للمرة الأولى قوات في بلدان أوروبا الشرقية من بولندا إلى إستونيا وليتونيا قوامها خمسة آلاف جندي، لكنها تتعزز منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وفي مارس (آذار) الماضي ضاعف الحلف عدد قواته في البلدان المجاورة، المجر ورومانيا وسلوفاكيا وبلغاريا، حيث يقدر أن عددها الحالي يبلغ أربعين ألفاً، يضاف إليها 130 طائرة مقاتلة و140 سفينة حربية. ويذكر أن عديد القوات الأميركية في أوروبا ارتفع في الأشهر الثالثة الأخيرة من سبعين ألفاً إلى مائة ألف جندي.

وإذا كان المبدأ الاستراتيجي السابق للحلف الأطلسي يعتبر «أن روسيا لا تشكل أي تهديد… وللتعاون معها أهمية استراتيجية»، فإن المبدأ الجديد الذي ستعتمده القمة غداً يعتبر روسيا تهديداً مباشراً ومحدقاً، ولا يستبعد أن تقوم موسكو بمهاجمة إحدى الدول الأعضاء في الحلف، ما قد يؤدي إلى مواجهة شاملة ومفتوحة بين الدول النووية الكبرى.

ويذكر أن المبدأ الاستراتيجي السابق لحلف الناتو الذي وضع في العام 2010 لا يأتي حتى على ذكر الصين، بينما المبدأ الجديد يكاد يضعها في مصاف روسيا، لكن بعد إصرار الحلفاء الأوروبيين الذين لا يرغبون في رفع منسوب التوتر مع بكين اقترحوا الاكتفاء بالإشارة إلى الصين على أنها تشكل تحدياً جيواستراتيجياً ومنهجياً في الأمد الطويل. لكن يرى محللون أنه برغم عودة أوروبا إلى واجهة الاهتمامات الخارجية والدفاعية لواشنطن بسبب الحرب في أوكرانيا، سوف تبقى آسيا محور الاهتمامات الاستراتيجية للولايات المتحدة.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى