مقالات

الفاشية تأكل إسرائيل

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – المظاهرات الحاشدة أمام الكنيست في القدس أمس الأول، ضد مخططات اليمين الفاشي الإسرائيلي للسيطرة على الجهاز القضائي، تشير فيما تشير، إلى أي مربع أخذت إسرائيل نفسها إليه، غول الاستيطان والمستوطنين الذي طالما أكل من أرض الشعب الفلسطيني ومن لحمه، يأكل هذا الغول اليوم إسرائيل ذاتها. دور المستوطنين تعاظم في السياسة الداخلية الإسرائيلية بالتدريج و بالارتباط المباشر مع توسع الاستيطان وتغوله في الأرض الفلسطينية، إلى أن اصبحوا هم من يحكم إسرائيل اليوم ويأخذونها إلى عصر الظلمات.

وكما هو معروف أن القوى التي كانت تنمو وتترعرع في المستوطنات، هي قوى وأحزاب متطرفة فاشية مزجت في آيديولوجيتها بين الصهيونية والدين فكانت النتيجة خلطة شيطانية لا تعرف سوى سفك الدماء وفكرة الاستحواذ على كل شيء والعنصرية، كانت إسرائيل بمجملها تقريبا تراقب وتعتقد أن هؤلاء المستوطنين هناك خلف الخط الأخضر يقومون بالدور المنوط بهم في التوسع الاستيطاني وإرهاب الفلسطينيين والعبث بحياتهم وأملاكهم وحقولهم، لم تنتج المستوطنات سوى حركات وقوى فاشية مثل حركة كاخ وأحزاب الصهيونية الدينية وجميعهم عنصريون فاشيون، هؤلاء احتلوا السلطة في إسرائيل، وكما قالت تسيفي ليفني في مظاهرة تل أبيب مساء الجمعة الماضي “إن ما يجري في إسرائيل هو جنون ولهذا الجنون اسم واحد هو الفاشية”.

ولكن المشكلة هي أعمق من ذاك بكثير، أعمق من كونها مشكلة مستوطنين، إنها تتعلق بالكيفية التي نشأت إسرائيل ذاتها عليها، وعلى أي أساس فكري وآيديولوجي قامت هذه الدولة، التي قبلت أن يكون وجودها على حساب شعب آخر، أن تقبل، لا بمسح وجود الشعب الفلسطيني، وإنما أيضا مسحت تاريخه وأسكنته لمصلحة التاريخ الإسرائيلي وادعت أنها المالك الوحيد لهذه الأرض، النتيجة العملية لكل ذلك، أن التنكر انتقل ليكون ميزة أساسية للمجتمع الإسرائيلي، فاليوم يحاول طرف يميني متطرف فاشي إلغاء الآخر الإسرائيلي والهيمنة على الدولة. كان التنكر في مرحلة سابقة موجه للوجود العربي الفلسطيني داخل إسرائيل ويتم التعامل مع الفلسطينيين وكأنهم طابور خامس ودخلاء ولن يكونوا يوما جزءا من المجتمع، ما يجري اليوم هو ليس إلغاء للفلسطينيين في الداخل وإنما إلغاء لقوى اليسار والوسط عبر إلغاء استقلالية الجهاز القضائي والهيمنة عليه ومن خلاله على الدولة بمجملها.


اقرأ|ي أيضاً| للأسبوع السادس: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو


دعونا نراجع معا قرارات هذه الحكومة منذ أن تسلمت السلطة قبل ما يقارب الثلاثة أشهر، أولا، إصدار قانون آرييه درعي الذي يشرعن الفساد، ثانيا، حرمان الأسرى الفلسطينيين من الخبز، ومن ثم تحديد فترة الحمام بأربع دقائق فقط لكل أسير، وثالثا، قوانين “إصلاح القضاء” المثير للجدل، ورابعا، شرعنة 9 بؤر استيطانية والإعلان عن بناء 10 آلاف وحدة استيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة. ويمكن ملاحظة العلاقة الجدلية بين القرارات المتعلقة بالاحتلال وتكريسه واضطهاد الشعب الفلسطيني والأسرى في السجون الإسرائيلية من جهة وقرارات حكومة نتنياهو وقوانينها لشرعنة الفساد وتهديد استقلال القضاء، وبالتالي تصفية الديمقراطية في إسرائيل من جهة ثانية.

في الاستنتاج النهائي، فإن ما يجري في إسرائيل يمكن تلخيصه بأن الفكر العنصري الموجه ضد الآخر الفلسطيني، لا بد أن يرتد إلى الداخل وهو اليوم يدمر الديمقراطية في إسرائيل.

فعقلية الاحتلال لم تبق خلف الخط الأخضر بل هي اليوم تغزو الدولة العبرية وتسيطر عليها. قادة الاستيطان، الذين كانوا هامشيين في مجرى السياسة الداخلية الإسرائيلية قبل عقد أو عقدين من الزمان هم من يحكم إسرائيل ويتحكم بها اليوم ويعملون على تكيفها لما يتلاءم مع عقيدتهم الفاشية، وهذا هو بالضبط جوهر الصراع القائم، والتي تظهر تجلياته في الانقضاض على الجهاز القضائي والديمقراطية وفي شرعنة الفساد.

السؤال هنا، هل هذه هي إسرائيل التي أرادها هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، ووايزمان وبن غوريون اللذان أسسا الدولة؟ هل هذه إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كما يدعون وأن تكون مصدر إشعاع وتتطور لمحيطها؟ إسرائيل تقف اليوم عارية دولة احتلال وعنصرية، وهي تتحول لتصبح دولة فاشية. ولعل المقولة الشهيرة تثبت صحتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن “ما بني على باطل فهو باطل” وهي المقولة الأكثر انطباقا على إسرائيل.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى