مقالات

الصهاينة المسيحيون ودورهم في تهويد فلسطين

شعاع نيوز / الكاتب: باسم برهوم  -الصهاينة المسيحيون ودورهم في تهويد فلسطين

قبل أيام، لفت نظري خبر عن منظمة أميركية تدعى “هيوفيل”، وهي منظمة صهيونية مسيحية إنجيلية، تقوم بجمع تبرعات لزراعة آلاف الأشجار في أرض فلسطينية في الضفة استولى عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون، ويكمل الخبر أن المنظمة المذكورة ترسل سنويا آلاف المتطوعين لمساعدة الاستيطان الصهيوني في الأرض الفلسطينية. الخبر جعلني أنبش تاريخ الصهاينة المسيحيين ودورهم في نشأة القضية الفلسطينية، وعدم اكتراثهم بوجود الشعب الفلسطيني المسلمين منه والمسيحيين، كل هذا انطلاقا من أسطورة مفادها أنه لا بد من تجميع يهود العالم في فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل هي مقدمة للعودة الثانية للسيد المسيح.

جذور المسيحيين الصهاينة قديمة، لكنها أخذت شكلها النهائي، وتحولت إلى حركة أصولية أيديولوجية في القرن التاسع عشر في بريطانيا. ومن أبرز رموز هؤلاء اللوردان روبرت بيل، وبلمرستون، اللذان تبنيا فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين وتقديم الحماية لهم، وفي تلك المرحلة، أي منتصف القرن التاسع عشر، بلور المسيحيون الصهاينة فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين حتى قبل أن تظهر الصهيونية اليهودية، وقبل أن يطرح هرتسل فكرته لإقامة هذه الدولة بحوالي ثلاثة عقود.

وكانت أكثر هذه المشاريع وضوحا، مشروع الكولونيل تشارلز هنري تشرتشل، الذي شغل في ذات الفترة منصب القنصل البريطاني العام في سوريا العثمانية، فقد طرح مشروعا كاملا لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وترك تأثيرا كبيرا على السياسة البريطانية الخارجية حيال الشرق الأوسط. وتعاون هؤلاء جمعيا بيل وبلمرستون وهنري تشرتشل مع الثري اليهودي منتوفيوري لإقامة المستوطنات المبكرة لليهود الروس وغيرهم في فلسطين. وتوج هذا التيار أهم إنجازاته عندما تسلم لويد جورج رئاسة الحكومة في بريطانيا خلال مراحل الحرب العالمية الأولى الأخيرة، وكان لويد من أكبر المتحمسين لفكرة هجرة اليهود إلى فلسطين، توج بإصدار وعد بلفور في العام 1917.

لم يكن حماس البريطانيين لهجرة اليهود وإقامة دولة لهم في فلسطين، هي بدوافع دينية وحسب بل هي بالأساس دوافع إمبريالية، فعلى سبيل المثال فإن لويد جورج، أكبر المتحمسين لهجرة اليهود إلى فلسطين، كان إمبرياليا تقليديا لا هدف له سوى أن تسيطر بريطانيا على مزيد من أراضي الغير بغض النظر عن الأسلوب. فالواقع في تلك المرحلة، خاصة في سياق السيطرة والاستيلاء على إرث الإمبراطورية العثمانية، كان هم بريطانيا هو ضمان حماية قناة السويس وإبقاء طرق التجارة مع الهند مفتوحة وفلسطين كانت الموقع الجيوسياسي الأفضل لهذه الخطة. كما مثل اختيار فلسطين لإقامة الدولة اليهودية فيها أول غدر بريطاني لفرنسا في سياق اتفاقيات سايكس بيكو، فقد اقترحت هذة الاتفاقيات أن تكون فلسطين تحت الإدارة الدولية، إلا أن بريطانيا التفت على ذلك من خلال وعد بلفور بهدف ضمان سيطرتها على هذه المنطقة التي تشكل نقطة إستراتيجية للسيطرة على الشرق.

ثقل المسيحيين الصهاينة أصبح ملموسا أكثر في الولايات المتحدة الأميركية، وتنامى هذا الدور وأصبح تأثير هؤلاء كبيرا في السياسة الأميركية تجاه المسألة الفلسطينية، وفي السنوات الأخيرة لاحظنا تأثيرهم في فوز الرئيس الأميركي السابق ترامب، وتنفيذه الوعود التي قطعها لهم بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعتبار هذه الأخيرة العاصمة الأبدية “للشعب اليهودي”، وإصراره على تصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن. ولعل القصص متشابهة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد كان أول قنصل أميركي في القدس في أربعينيات القرن التاسع عشر أحد المسيحيين الصهاينة، ويدعى واردر كريستون، فقد وعد هذا القنصل الرب ونفسه بأن يعمل كل ما يستطيع لإقامة دولة يهودية في فلسطين. ولخص ويليام بلاكستون في العام 1878 أفكار هذا التيار المسيحي الصهيوني، في كتابه الشهير “المسيح قادم” وقال فيه إن عودة المسيح ثانية مرتبطة بتجميع اليهود في فلسطين وإقامة الدولة اليهودية.

ويشكل اليمين المسيحي مع المسيحيين الصهاينة كتلة انتخابية كبيرة ومؤثرة، وربما هي أكبر وأكثر تأثيرا من الصوت اليهودي الذي يمثل أقل من 3%، لكنه يستند أساسا إلى قوة هؤلاء، وأصبح كلاهما يتمتعان بنفوذ كبير في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولكن تأثيرهم أكثر وضوحا في الحزب الجمهوري المحافظ، والذي يشكل اليمين المسيحي كتلة كبيرة فيه. ويمتلك هذا التيار، الذي بدأ ظهوره مع حركة مارتن لوثر الإصلاحية في القرن السادس عشر وظهور “المتطهرين في بريطانيا ومناطق أخرى من أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية لاحقا، بالرغم من أن لوثر نفسه بقي موقفه متشككا ومترددا من اليهود بسبب الإرث الأوروبي المتجذر في التاريخ ضد اليهود وتحميلهم مسؤولية صلب السيد المسيح.

ومما يجدر بل ويجب ذكره، أن معظم الكنائس والطوائف المسيحية الأخرى خاصة الكنيستين الأرثوذكسية، والكاثوليكية، وهما أكبر كنائس العالم تعارضان بل ترفضان طروحات هذا التيار وتعتبرانها خروجا عن المضمون الحقيقي للمسيحية. وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، تقف معظم الكنائس في وجه هذا التيار الذي يمثل أقلية قليلة بين مسيحيي العالم. فعلى سبيل المثال أعلنت الكنيسة الكاثوليكية موقفا مبكرا في عام 1897، وقالت “إن إعادة بناء القدس لتكون مركزا لدولة إسرائيلية يتناقض مع نبوءة المسيح ذاته، الذي قال إن القدس ستبقى يدوسها العامة إلى آخر الزمان”، وفي عام 1917، وكرد على على وعد بلفور، قال البابا بندكيت الخامس عشر “لا سيادة لليهود على الأرض المقدسة”، وفي عام 1922 بعث الفاتيكان رسالة إلى عصبة الأمم، اعترض فيها على صك الانتداب، ومنح اليهود وضعا يميزهم عن وضع باقي السكان في فلسطين.

أما الكنيسة الأرثوذكسية في الولايات المتحدة وباقي العالم، فهي تعارض المسيحية الصهيونية وتعتبر أنها تدخل على المسيحية أفكارا لاهوتية غريبة، لا تمت بصلة لما ورد في الإنجيل.

وبعيدا عن كل ذلك، فإن المسيحية الصهيونية قد بنت ادعاءاتها وروايتها حول ضرورة تجميع يهود العالم في فلسطين وإقامة دولة يهودية استنادا لعقيدة متطرفة تبنتها الكنيسة البروتستانتية الأصولية، تعتقد أن “قيام دولة إسرائيل هي عبارة عن حتمية وتنفيذ لنبوءة في العهدين القديم والجديد”، وأن من واجبهم الدفاع عن إسرائيل وحمايتها ومنع أي نقد لها. وكما هو حال الصهيونية، استغلت الإمبريالية الغربية الصهيونية المسيحية لتنفيذ مشاريع السيطرة والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط عبر السيطرة على فلسطين.

دور الصهاينة المسيحيين في دعم إسرائيل يتواصل بأشكال مختلفة، سياسيا وإعلاميا وماليا، وهناك عشرات المنظمات من هؤلاء الصهاينة المسيحيين التي لا شغل لها سوى تقديم الدعم للدولة العبرية، وأثناء ذلك يتعاملون مع الشعب الفلسطيني وكأن لا وجود له.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى