شؤون عربية و دولية

إنشاء محكمة دستورية ببنغازي يؤجج الصراع بين البرلمان والأعلى للدولة

شعاع نيوز-أجّج إقرار مجلس النواب الليبي قانونا لإنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي شرق البلاد، الخلافات مجددا بينه وبين المجلس الأعلى للدولة، وسط مخاوف من إقحام القضاء في التجاذبات السياسية الحالية.

وصوّت البرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح، الثلاثاء، بالأغلبية على إحداث محكمة دستورية عليا في مدينة بنغازي، تكون بديلة عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، ومقرها طرابلس، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق.

وينص مشروع قرار استحداث المحكمة الدستورية على إلغاء المحكمة العليا في العاصمة طرابلس وتغيير اسمها إلى محكمة النقض، كما وافق البرلمان على نقل تبعية الجريدة الرسمية من وزارة العدل إلى البرلمان.

كما ينص على إنشاء محكمة دستورية تتكون من 13 عضواً يعينهم البرلمان في أول تشكيل للمحكمة، ومقرها مدينة بنغازي، وعلى أن تحال كل الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا إلى المحكمة الدستورية الجديدة بمجرد صدور قانون تشكيلها.

وبحسب القانون ذاته، لا يجوز الطعن بعدم دستورية القوانين إلا من رئيس البرلمان أو رئيس الحكومة أو 10 نواب أو 10 وزراء.

وعقب إقرار القانون، عبر رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي (الاستشاري) خالد المشري، في بيان عن رفضه إقرار القانون مطالبا بضرورة “احترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية”.

واعتبر أن ما صدر عن مجلس النواب “مساس بالأساس الدستوري لهذه السلطة المعتمدة من دستور سنة 1951 الذي ينص على أن السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى التي تصدر في حدود الدستور وفق القانون”.

وشدد في بيانه أن “أي تعديل على هيكل السلطة القضائية لا يكون إلا بدستور مستفتى عليه من الشعب أو تعديل دستوري متوافق عليه بين الأطراف السياسية الليبية وفق ما يقره الاتفاق السياسي”. ودعا السلطة القضائية إلى الامتناع عن تطبيق قانون المحكمة الدستورية.

وأكد الخبير القانوني سليمان الشويهدي، أن قرار مجلس النواب بإنشاء محكمة دستورية للبلاد في مدينة بنغازي صحيح جدا، خاصة بعد الطعن الذي قدمه بعض أعضاء مجلس الدولة على قرار مجلس النواب الصادر قبل عام ونصف، بتكليف المستشار الصديق الصور نائبا عاما للبلاد.

وأوضح الشويهدي في تصريحات إعلامية، أن بنود قرار إنشاء المحكمة الجديدة والذي ينص على حصر الطعن في القرارات والقوانين الدستورية في يد رئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس أو الوزراء أو رئيس البلاد، بمثابة قرار صحيح.

وأشار الشويهدي إلى أن الدائرة الدستورية في طرابلس تقبل الطعن من أي شخص حتى لو كان مواطنا عاديا، ما يجعل الكثيرين يطعنون في القوانين التشريعية، ما يعطل المحكمة، مؤكدا أن حصر الطعن على فئة معينة هو أمر قضائي وقانوني متبع في جميع الدول.

في المقابل، قال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور محمد كشلاف، إن ما قام مجلس النواب هو مخالفة صارخة للإعلان الدستوري المؤقت والاتفاق السياسي.

وأوضح كشلاف أن المادة 33 من الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عام 2011 نصت على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة.

ومن جانبه، أكد رئيس لجنة التواصل الدستوري بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ضو المنصوري، في تصريحات لقناة ليبيا الأحرار -الذراع الإعلامية للإخوان المسلمين في ليبيا- أن توقيت إنشاء المحكمة الدستورية وطريقة الطعن أمامها، تؤكد رغبة عقيلة صالح في إحكام سيطرته على القضاء وانتهاك استقلاليته في “انتهاك صارخ لكافة الأعراف والمواثيق الدولية التي صادقت عليها ليبيا”.

واعتبر المنصوري قانون إنشاء المحكمة “تجسيدا للدكتاتورية الدستورية وضربة استباقية لأي تسويات بين مجلس النواب ومجلس الدولة”.

ومن المنتظر أن يعقد عقيلة صالح وخالد المشري اجتماعا الخميس القادم في مدينة غدامس غرب ليبيا لتقريب وجهات النظر بشأن القاعدة الدستورية والقانون الانتخابي والمناصب السيادية، وفق وكالة سبوتنيك الروسية.

وكان مجلس النواب الليبي قد ناقش في أكتوبر مشروع قانون لإنشاء محكمة دستورية في البلاد، قبل يحيله حال إلى القضاء الأعلى لإبداء الرأي الفني والملاحظات بخصوص مواد القانون.

وجاءت خطوة مجلس النواب الليبي بعد أن أقدم في سبتمبر الماضي على اتخاذ عدة إجراءات، قال مراقبون إنّها جاءت على خلفية “إحساسه بالخطر جراء محاولة الإسلاميين في ليبيا، وفي مقدمتهم الإخوان، إقحام القضاء في الأزمة بدعم من محمد الحافي رئيس المحكمة العليا”، إلا أنّ البرلمان “أجهض” هذه المحاولات بتكليف المستشار عبدالله أبورزيزة رئيسا للمحكمة بديلا عنه.

وكان الإسلاميون يسعون لإقحام القضاء في الأزمة السياسية بالضغط على الحافي قبل إقالته لفتح الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، والتي من المتوقع أن تصدر أحكاما “سياسية” لصالح الإخوان، كما فعلت قبيل إغلاقها في العام 2014، حينما قضت ببطلان انتخاب مجلس النواب الليبي عقب خسارة التنظيم للانتخابات التي أجريت آنذاك.

ومن المرجحّ أن يواجَه قرار البرلمان بالرفض من الأطراف السياسية والقضائية في غرب ليبيا، التي تعارض إلغاء الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بالعاصمة طرابلس التي كانت مغلقة منذ عام 2016، وعادت إلى العمل في 18 أغسطس الماضي بقرار من الجمعية العمومية للمحكمة العليا بعد مطالبة بتفعيلها للفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية قادت البلاد إلى أزمة سياسية مؤخرا.

ومن المحتمل أن تقود هذه الخلافات البلاد إلى انقسامات جديدة، قد تمس جسم المؤسسة القضائية التي ظلت طوال السنوات الماضية متماسكة، مع سعي كل طرف وإقليم لتشكيل سلطة قضائية والسيطرة على العدالة، وهو ما يفاقم الأزمات.

ومنذ مارس الماضي، تتصارع حكومة برئاسة فتحي باشاغا كلفها مجلس النواب على السلطة مع حكومة عبدالدبيبة الدبيبة التي جاءت عبر اتفاق سياسي برعاية أممية، وهي ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

ويجري حل الأزمة عبر مباحثات بمبادرة أممية، للتوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية تقود إلى انتخابات في أقرب وقت.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى