مقالات

نفاق العالم ومسألة “دفاع إسرائيل عن نفسها”!

نفاق العالم ومسألة “دفاع إسرائيل عن نفسها”!

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – أكثر ما يغيظ في السياسة الدولية هو استسهال قلب الحقائق بحيث يصبح العدوان والاحتلال، على سبيل المثال، مسألة دفاع عن النفس، أما الأكثر غيظا هو عندما تعتبر الدول الكبرى أن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال “إرهاب”. البيانات التي صدرت عن البيت الأبيض ومن عشرة داوننغ ستريت حول غزو إسرائيل الوحشي لجنين ومخيمها بالفعل تثير السخرية، كلا الطرفين اعتبر الغزو الإسرائيلي مسألة دفاع عن النفس، ولم يعيرا أي انتباه إلى أن من في المخيم هم ضحايا مشاريعهم الاستعمارية. فهم اللاجئون الفلسطينيون الذين شردوا من أرضهم عام 1948 نتيجة للسياسات البريطانية والأميركية.

قبل أيام كنت أراجع بعض المواقف الأميركية حيال الصراع الفلسطيني الصهيوني، وأنا لا أتحدث هنا عن الرئيس ترومان الذي يتحمل مسؤولية مباشرة عما حدث للفلسطينيين في الأعوام، 1947، 1948، 1949 بل عن رؤساء ومسؤولين أميركيين عايشهم الجيل الحالي، على سبيل المثال الرئيس جورج بوش الابن ماذا قال في الكنيست في الذكرى الستين لتأسيس إسرائيل (عام 2008)، “إن قيام دولة إسرائيل الجديدة، ليست إنجازا دنيويا عظيما وحسب بل هي تنفيذ لوعد الرب لإبراهيم وموسى وداود بأن تكون هذه الأرض للشعب المختار”. أما غينغريتش أحد صقور الحزب الجمهوري ورئيس مجلس النواب الأميركي في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، فقال “إن الفلسطينيين هو شعب مخترع، وليس لهم ماض في هذه الأرض وبالتالي لس لهم حاضر ومستقبل فيها، وبالتالي ليس لهم حق في إقامة دولة على أرض إسرائيل، ليس لهم تاريخ، أما اليهود فهم هنا منذ 3 آلاف عام، الفلسطينيون عرب بإمكانهم الذهاب والعيش في أي بلد عربي آخر”.

إن إسرائيل ليست نتاج فكرة قومية رومانسية. كما يدعي البعض أنها نتاج الاستعمار والإمبريالية البريطانية الأميركية. لذلك هي مشروعهم الأنجح والأهم، وما دامت هي كذلك فكل سياساتها وانتهاكاتها مبررة وتلقى تغطية خاصة منهم.

عندما لا ترى لندن وواشنطن أن إسرائيل دولة احتلال، دولة عنصرية، فما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟ هل هو قصر نظر أم ماذا؟ وعندما تصران على رؤية مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال إرهابا فما الذي يعنيه ذلك؟

الجواب لأنهما يعتبران نفسيهما أم وأب الولد، أم وأب المشروع الصهيوني ولا يخفيان ذلك. الشعب الفلسطيني يعي هذه الحقيقة لأنه دفع ثمنها غاليا، وعاشها جيلا بعد جيل وهي سبب كل هذا الظلم والبؤس الذي يعيشه.


اقرأ|ي أيضاً| أبعاد وأهداف قرارات القيادة الـ 18


ولكن المشكلة ليست مع واشنطن ولندن وحسب، فالموقف الدولي عموما كان رخوا، ولم نسمع أي موقف أو تصريح ذي مغزى في حدث لم يستغرق ساعة أو ساعتين وإنما استمر يومين وفيه قدر كبير من الدم والدمار والوحشية. الدول العربية أصدرت مواقف سريعة جيدة ولكن ما يحتاجه مخيم جنين ليس التصريحات بل الدعم في إعادة إعماره، بضعة ملايين قليلة تكفي، فالمكان بسيط يسهل تدميره وإعادة بنائه، وإذا ما قام العرب بما يمليه عليه ضميرهم فهذا حسن.

وعودة لواشنطن، فالجميع يعلم أن إسرائيل لا تستطيع أن تقدم على مثل هذه الغزوة دون ضوء أخضر أميركي، وهنا نلاحظ التناقض في سياسة الإدارة الأميركية، هي تقول وتمارس أنها تختلف مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ولكنها تدعم عملا عسكريا متوحشا ضد الفلسطينيين يصب في مصلحة هذه الحكومة الفاشية. كيف يمكن أن تفسر واشنطن سياستها للمواطن الفلسطيني والعربي؟

ما يفهمه هذا المواطن أن الموقف الأميركي فيه قدر كبير من النفاق، وازدواجية المعايير، نحن لا يهمنا ان استقبل بايدن نتنياهو في البيت الأبيض أم لم يستقبله، المهم بالنسبة لنا هو هل توقف السياسة الأميركية الاستيطان والتهويد، هل توقف اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين على الشعب الفلسطيني الأعزل، والأهم هل واشنطن جادة في موضوع إنهاء الاحتلال وتنفيذ رؤية حل الدولتين؟

في هذه الحالة ما يفهمه المواطن الفلسطيني من مواقف إدارة بايدن هو حرصها على إسرائيل، كي لا يخربها هذا اليمين الأعمى المتغطرس من الداخل، أما فلسطين والفلسطينيون فهم كما جرت العادة “فرق العملة” لا قيمة حقيقية لهم.

إذا كنت ضد نتنياهو، ضد حكومته الخطيرة على الديموقراطية، وأن تكون حريصا على ديموقراطية إسرائيل. عليك أن تبدأ من الاحتلال فلا تستوي الديموقراطية مع الاحتلال وان هذا الأخير هو سبب خراب إسرائيل وخراب حل الدولتين. إذا لمس الفلسطينيون مثل هذا الموقف عندها فقط يمكن أن يثقوا بسياستكم، ولكن ما دمتم تعتبرون العدوان والغزو الإسرائيلي هو مسألة دفاع عن النفس، فهذا نفاق وقح لا يمكن التعاطي معه.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى