مقالات

المواطنة.. بين الجريمة بحق الوطن والحق بالرأي وحرية التعبير

شعاع نيوز – الكاتب: موفق مطر – ارتبطت المواطنة بالقيم والمبادئ والقانون الناظم لحياة المجتمعات والشعوب، ومعيارها السلوك اليومي في العلاقات المباشرة وغير المباشرة، ونتاج الايمان بشرائع روحية سماوية أو فلسفة ونظريات اجتماعية أو سياسية، التي يتم التعبير عنها بصور مختلفة وأرقاها الابداعية الجمالية ادبا وفنا وخطابة، ذلك أن المواطنة سيرورة الحياة للفرد في اطار الجمع (الشعب) لا يدركها إلا من كان السلم الاجتماعي والسلام الانساني مقصده ومنارته لتحقيق تطلعاته في مسارهما .

ضمنت القوانين في دول ديمقراطية حرية الرأي والتعبير، ولم تضع حدودا حتى لو، وتركت للمواطن (الفرد) حرية الاختيار، بعد بيان منافع وأضرار الولوج في درب ما، أو الانخراط في نشاط ما، شرط تمتع الفرد بالأهلية حسب نصوص القانون، لكن الدولة بقيت ساهرة على تطوير وتنمية عقل الفرد بجنسيه واتجاهاته العملانية لبلوغ قدرة عالية في البحث العلمي والمنطقي لتحديد خياره الصائب، متحملا النتائج، لكن شرط عدم الحاق الضرر والأذى بعموم المجتمع .

تشكل حرية الرأي والتعبير في المجتمعات النامية معضلة ومشكلة كبيرة، تكاد تصبح احد العوامل الكابحة لقطار التنمية والتقدم، وتطبيقات الديمقراطية، ذلك بسبب رواسب وموروثات اجتماعية ما زال فيها الفرد يرى نفسه بمثابة القانون وسلطته، مستمدا القوة لهذه العقلية من سلطة عائلية او عشائرية، أو فئوية عصبوية من نوع ما كالانتماء لجماعات أو احزاب تمتلك عناصر قوة مادية ومنعا بشكل اساس (السلاح) فينطلق متحديا القانون والنظام العام، سواء كان فردا تحت مظلة تلك الأشكال من المجموعات، أو على رأس (سلطة ما) يسعى لأن تكون موازية في الحد الأدنى، ولا يوفر فرصة تجاوز سلطة البلاد الشرعية وقوانينها ونظمها المشرعة وفق تطبيق ديمقراطي انتاج الواقع .

ومن هنا تبدأ أهداف الوطن بالضمور، وتتراجع برامج التنمية والتطوير الى ما وراء نقطة الانطلاق إن بقيت واقفة، ويصبح الحصول على الأمن الفردي والمجتمعي الغاية، ما يعني حلول الفوضى والعبث في مقدرات الوطن، وتفريغ الوطنية والانتماء الوطني من الواجب العملي والحقوق المضمونة بالقانون، لإحلال المزاج الشخصي، واللسان المنفلت، ما يعني الافراط في استخدام الممنوع في القانون كالذم والقدح والشتم التخوين والعمل على نشر الفتنة، التي غالبا ما يرافقها عنف وإرهاب معنوي وفكري ومادي مباشر .

أعقد مشكلة قد تواجهها الشعوب اثناء تطبيق الحق في الرأي وحرية التعبير عندما تكون في مرحلة تحرر وطني، أو مهددة بخطر وجودي من الخارج، وتحديدا في سياق اختلاف جذري عميق يمنع الالتقاء على برنامج كفاحي نضالي سياسي واحد، حيث تخرب عمليات الشد والجذب العنيفين اركان البنية الوطنية السياسية والثقافية، وحتى الاجتماعية، بالتزامن مع حملات المحتلين والغزاة المسلحة الدموية التدميرية، فيبدو الأمر وكأنها عملية تدمير ذاتي تحت وطأة ضربات العدو الخارجي، والمبرر لذلك الحق في ممارسة حرية الرأي والتعبير، لكن عاقلا وطنيا منا لا يمكنه إلا رفع مكانة هذا الحق ما دام قائما على قاعدة النقد البناء والنقد الذاتي، دون اغفال الحقوق والواجبات على الفرد والجمع نفسه وكذلك السلطة الشرعية القانونية المكلفة بضمان وتأمين هذا الحق ما دام في الاتجاه الصحيح، أما الانحراف به وأخذه الى مربع خدمة غايات وأهداف قوى ودول خارجية، وتحقق اهداف العدو وأهمها اضعاف الجبهة الداخلية، وخلخلة الوحدة الوطنية للشعب المكافح المناضل، وبلمحة سريعة، يمكننا التقاط عناوين هذه الحالة التي ترقى الى مستوى جريمة الخيانة للوطن وللوطنية، مثل حملات التخوين والتكفير والتعهير المنظمة، وبث الأكاذيب المصنعة في مختبرات الاستخبارات المعادية، والمبثوثة عبر وسائل اعلام تمتلك فضاء دوليا بلا حدود، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي – وهذا الأخطر- اكاذيب تمهد لانتشار الفتنة، التي غالبا ما يتم الباسها أقنعة حق يراد لكن ثقل الباطل يسقطها عن وجوه اصحابها المدبرين والمنفذين، فالفارق ما بين حرية التخريب والعبث بمصير الوطن، وحرية الرأي والتعبير التي تغني الوطن بأفكار التحرر والحرية، والبناء والتطوير، وتدفعه بأعظم قوة لأخذ المكانة الطبيعية في مسارات الانسانية كافة، كالفارق ما بين الجريمة بحق الوطن، حيث يغتال المواطن حق المواطنة بيديه، وبين افتداء الوطن والتضحية لأجل حريته ورفعة مكانه بين الأمم، والعمل الصالح للمجتمع، فيجسد المواطنة بأبهى صورها وأحسنها.


اقرأ\ي أيضاً| الرئيس وأيقونة الصمود جنين والمقدسية نورا

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى