مقالات

اغتيال رابين انقلاب على السلام وعلى الديمقراطية

اغتيال رابين انقلاب على السلام وعلى الديمقراطية

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية (شرق فلسطين) عام 1967 وسلطة الاحتلال تعمد إلى استخدام مصطلح “يهودا والسامرة” على الضفة، وهو مصطلح توراتي استخدمته الدراسات التوراتية الاستشراقية الغربية والصهيونية. عاد استخدام الضفة الغربية مع اتفاق الحكم الذاتي الذي وقعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن عام 1978، وهو الاتفاق الذي نص على حكم ذاتي للسكان دون الأرض، وبالرغم مما نص عليه الاتفاق على الورق، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين، ووسائل الإعلام الإسرائيلية، واصلوا استخدام مصطلح “يهودا والسامرة”، وأطلقوا مصطلح “سكان” على الشعب الفلسطيني في سياق رفضهم الاعتراف بالفلسطينيين، كشعب له حقوق مشروعة بالأرض.

تغيرت الصورة تماما بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) عام 1993، فالاتفاق كان واضحا فقد مثّل اعترافا إسرائيليا بالشعب الفلسطيني، كما أنهى استخدام مصطلح “يهودا والسامرة” وأصبح الحديث يدور عن الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبارهما أرضا فلسطينية ستنتقل تدريجيا، وعلى مراحل إلى ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية، مع احترام وحدتها الجغرافية في المرحلة الانتقالية. ومنذ توقيع هذا الاتفاق وحتى اغتيال رابين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، و بالتحديد حتى فوز نتنياهو في انتخابات ربيع 1996، أوقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومعظم المسؤولين الإسرائيليين استخدام مصطلح “يهودا والسامرة ” وباتوا يستخدمون مصطلح الضفة الغربية، وهو ما يتوافق مع القانون الدولي واتفاقيات السلام، كما توقفوا عن استخدام مصطلح “سكان” للإشارة للشعب الفلسطيني.

مثل اغتيال رابين انقلابا على عملية السلام ومصطلحاتها، وعاد الإعلام والمسؤولون الإسرائيليون لاستخدام “يهودا والسامرة”، ومصطلح “السكان” على الشعب الفلسطيني، إنها عودة لتبني الرواية الصهيونية بنسختها الكولونيالية، عودة لإنكار التاريخ الفلسطيني، وإسكاته من جديد، وبالتالي إنكار وجود الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية المشروعة. هذا الانقلاب هو الذي أوصلنا وأوصل إسرائيل إلى هذه اللحظة، انهيار عملية السلام، والاستمرار في سياسة تكريس الاحتلال، وكانت النتيجة الحتمية لذلك انهيار الديمقراطية داخل إسرائيل ذاتها.

ويمكن ملاحظة الترابط بين الاحتلال وتآكل الديمقراطية، هو إصرار سموتريتش والصهيونية الدينية على السيطرة على الإدارة المدنية في الضفة، وفي الوقت نفسه محاولات هذا اليمين المتطرف، للسيطرة على الجهاز القضائي في إسرائيل. فإمساك الصهيونية الدينية بالإدارة المدنية، وهو ما يعني التمهيد لضم المستوطنات ومن ثم مناطق “ج”، وبالتالي إدامة الاحتلال، يقابل ذلك، وبالترابط الجدلي معه، محاولات فرض قبضة اليمين المتطرف على القضاء الإسرائيلي، وهو بمثابة المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الإسرائيلية، ونهاية مرحلة، وبداية مرحلة أخرى في تاريخ الدولة العبرية.

أما المضمون الأعمق لكل ذلك، فهو التمسك بالرواية الصهيونية التقليدية التي تتنكر للشعب الفلسطيني، وربما كان هذا هو السبب من وراء إصرار إدارة بايدن على تأكيد تمسكها المتكرر بحل الدولتين، وربط ذلك ببقاء إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. هناك علاقة، باتت واضحة، بين الرواية الصهيونية، بشكلها المتطرف وتآكل الديمقراطية داخل إسرائيل.

منذ عام 1995، ومع اغتيال رابين، ومعه اغتيال عملية السلام، وإمكانية إنهاء الاحتلال، وإسرائيل تتدحرج نحو ما هي عليه اليوم، ومنذ ذلك التاريخ لم تقم قائمة لليسار المؤمن بالسلام، والمشكلة أن نتنياهو يصف النصيحة الأميركية حول عدم المس بجهاز القضاء الإسرائيلي بأنه “غباء”، فهو وحكومته يصرون من جهة على “يهودا والسامرة “، ومن جهة أخرى على المضي قدما في مسعاهم للسيطرة على الجهاز القضائي، ولكن المفارقة الأكثر غرابة في كل ذلك، أنه وبالرغم من إمعان نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بترسيخ الاحتلال، فإنه ينجح بالتطبيع مع بعض الدول العربية…كيف يمكن فهم هذه المعادلة الغريبة ؟ وهذا أمر يحتاج إلى بحث آخر.


اقرأ|ي أيضاً| عميان البصيرة!

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى