مقالات

العالم الرقمي الصاخب وإجازة الهاتف النقال!

بقلم – بكر أبوبكر

جلنا بين الهدوء والصخب وأشعلنا نار الحق حين تكون الكلمة في محلها، وأضفنا طفاية الحريق حين يفعل الهدوء مفاعيله في الصدر. وحيث يتوجب بما لا ينسي الانسان حقه مطلقًا. ولكن بما يساعده على النهوض، وللعالم الرقمي في التشتيت والإزعاج نصيب كبير
الصمتُ في ظل العالم الرقمي
عاصرنا التلوث السمعي مع ضوضاء صراخ البشر، وزعيق الباعة المتجولين قديمًا، وفي غبار المعارك، وعاصرناه مع ضوضاء المصانع والمعامل وسيارات الإسعاف والنجدة مثلًا كما مع أبواق المركبات السائرة تنهش أذنيك في الشوارع.
كما عاصرنا الضوضاء مع رواد المقاهي (التي يدلعونها اليوم افتتانًا بكل ما هو أجنبي باسم كافيهات!)، وعاصرنا المشتتات الخارجية الكثيرة أيضًا مع الأجهزة الاتصالية القديمة حين تستخدم بشكل سيء (المرناة أي التلفزة، والمذياع، والمسجلات الصاخبة…)، وهناك من أدمن صخب الحفلات وقاعات الرقص الغربي ثقيل الوطأة على القلب والنفس …الخ فلم يلتفت ذاته وصحته النفسية والعقلية.
والى ما سبق كانت حالة الإلهاء الداخلي والتشتت مرتبطة بالاحزان والمصائب والتشتت الذهني، حين تداهمنا الأفكار كلها فلا نجد لها محيدًا فتقتلنا بتراكمها دون أي قدرة على الاستفادة منها، أو دفعها أو تهدئتها ضمن مقام الحوار الداخلي الصعب أو المشتت للفؤاد.
إن الحوار الداخلي (داخل الدماغ ) كثافة أفكار هامة جدًا، حين تستطيع أن تمسك بها وتستثمرها في الاستنتاج واجتراح البدائل والحلول، وحين تجد فيه المنقذ من الضلال.
والحوار الداخلي جهادُ نفسٍ عظيمٌ حين تُحسن استخدامه وتروّضه فلا تدعه يطيح بك أرضًا، بل تجعله كالنمر المروّض… فتنتقل بالحوار أو الجهاد الداخلي أو الحرث في حقل الذات الى النماء والصفاء والإبداع.
كتبتُ كتابًا عن فن الحديث تحت عنوان: في الخطاب المؤثر والأسلوب الجذاب، لما لأهمية الحديث في مقام الاتصالات بين البشر وبناء العلاقات والتأثير بالآخرين، وهاأنذا اليوم أحاول في هذا المقال أن اطرق معاني الصمت فلعلي أصيب من حيث السلب والإيجاب في ذلك.
في العصر الحالي وفي ظل تدفق الأخبار والمعلومات الصحيحة والمضللة سيّان عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وما يشكل بأغلبه من ملهيات وتلوث سمعي ونظري وذهني نحن أدعى أن نعود للأصول ونعطي لكل الأجهزة الكهربية والالكترونية موقعها الحقيقي كخادم لنا، وليس كمتحكم فينا.
دع الأجهزة الالكترونية وعلى رأسها الهواتف الخلوية تأخذ منك إجازة يومية في فترة محددة، إضافة للإجازة الأسبوعية لأنه حين تصمت الأجهزة (خاصة الحواسيب والخلويات…) بتدفق سيل البيانات والأخبار الهاطلة بغزارة الفيضان منها، يبدأ العقل الصافي بالعمل، أو تبدأ المخيلة باستعراض جمالها، والوان صورها الزاهية، وتتألق في صمت التدفقات، وتتأمل وتتفكر وتخطط وتبدع.
تبدأ حياتك الحقيقية بخطوة تتلوها خطوات وفي تناغم ومثابرة ذات إرادة للتغيير.
حين تألف الصمت حيث وجب، تجد نفسك بوضع جديد مع الخالق سبحانه وتعالى من جهة، وبين أهلك وأصدقائك وفي حضن الطبيعة.
وتجد نفسك مع ذاتك المظلمة والمثقلة حينًا والمتجددة الراغبة بالنور حينًا آخر فتُصغي وتدرك وتفهم وتنفعل وتطور، و تجد نفسك حين تحقيقك إتقان الصمت وأُلفته تجول بين أحلامك وخلجات نفسك وأفكارك السلسة المولّدة للكثير، وخطوات الغد القادم.
دعني اختم بالقول: نعم لنصمت كثيرًا لنخشع في صلاتنا، ولنصمت كثيرًا لنفكر قبل الإقدام على قرار متهور، ولنصمت كثيرًا لنفكر بالبدائل، ولنصمت كثيرًا لنستمع وننصت أفضل لغيرنا، ولنصمت كثيرًا لنعيد ترتيب أفكارنا. ونعم نحن كالموج الهدار في مواجهة الظلم والاحتلال والفساد والعقل المنحرف والعقل السلطوي البذيء.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى