مقالات

ورقة التحريض.. تاريخ مقابل تاريخ واحتلال مقابل استقلال

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – دائما ما تستخدم ورقة التحريض للضغط على الجانب الفلسطيني، وبالطبع لا بد من أن نعترف في البداية أن هناك قدرا من التحريض في ثقافتنا وفي خطابنا نجد ضرورة لفهمه، وفهم أسبابه والعمل على إزاحته عن طاولة الاستخدام، فالتحريض يضر بنا أكثر بكثير من كونه مفيدا لنا. ولكن أسئلة التحريض معقدة تنبع أساسا من طبيعة الصراع وتعقيداته، فالصهيونية كفكرة ومشروع وضعت نفسها ضمن معادلة “أرض بلا شعب” بمعنى أنها بعد أن تلغي وجود الشعب الفلسطيني، تقوم بتجريده من كل شيء، التاريخ، بمعنى علاقته بالمكان وزمان هذا المكان. وبالتالي جردته من الحقوق وحصرت الحق بتقرير المصير على هذه الأرض بالشعب اليهودي.

قبل ظهور الصهيونية كان الشعب الفلسطيني متصالحا مع تاريخه ولا يستثني أي جزء منه مهما صغر أو قصر. وكان متعايشا مع كل رمزيات ورموز تاريخه دون تمييز، ولم يفرق بين مرحلة وأخرى إلا من زاوية الفهم والدراسة، وكانت اليهودية والمسيحية والإسلام وحتى ما سبقها جميعها تمثل تراثه وإرثه، وتكون ثقافته وهويته وذاكرته. فالمشكلة هنا هي بمن وضع تاريخا في مواجهة تاريخ، بل أكثر من ذلك من حاول أن يحتكر التاريخ ليسيطر على الحاضر.

بالنسبة للفلسطيني، كانت الأساطير القديمة جزءا أصيلا في تكوينه وتكوين حضارته الخاصة، ولم يكن يعتبر ملوك إسرائيل إلا أنبياء، ويعترف بهم وبما قالوه وفعلوه، تماما كما يصدق بعيسى عليه السلام، ويتابع تاريخه المتسلسل مع الإسلام وايمانه بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به وكل ما يتعلق بتاريخ الإسلام في فلسطين والمنطقة والعالم.

ففي وعي الفلسطيني كل شيء منطقي في سياق تسلسله الزمني منذ أن بدأ التاريخ يدون نفسه في فلسطين.

ومن هذه الزاوية فجذر التحريض هو بمنطق نفي الآخر ونفي وجوده، وبالتالي ينتهي التحريض بالاعتراف المتبادل والتصالح مع تاريخ المكان دون ترجيح كفة زمن على زمن، أو فرض حقبة تاريخية وسحبها على كل التاريخ. ويمكن أن نعطي مثلا هنا، عندما تم الاعتراف المتبادل في إطار اتفاقيات أوسلو لم يسجل في البدايات أي تحريض في وسائل الإعلام الفلسطينية، وكان هناك أمل في تحقيق السلام بين الشعبين، فالاعتراف المتبادل حل محل فكرة وسياسة النفي وعدم الاعتراف بالآخر. ولكن فسحة الأمل لم تدم طويلا، خصوصا بعد أن قام اليمين المتطرف في إسرائيل باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين.


اقرأ|ي أيضاً| النهاية بحروب خاصة لم تحقق أهدافها!


من دون شك أن أعداء السلام، كانوا عند الطرفين. والحقيقة أن أعداء أوسلو لدى الطرفين وفي المنطقة، كانوا أكثر من مؤيديه، وفي النهاية فرض أعداء السلام أجندتهم. وبدأ التراجع الفعلي عن السلام والاتفاق وتبادل الاعتراف بعد أن تسلم اليمين الحكم في إسرائيل في ربيع عام 1996 بزعامة نتنياهو، ولو لم يحصل هذا التطور قد يكون المسار كله قد اختلف. ولكن يبقى السؤال المركزي، ونحن نحاول الإجابة على أسئلة التحريض المعقدة: هل تخلصت إسرائيل من فكرة نفي الآخر؟

الجواب لا، فهذه الفكرة لا تزال جوهر تفكير الغالبية الساحقة في إسرائيل، وهي لا تزال موجودة كسياسة رسمية، في مناهج التعليم الرسمية، وفي الثقافة العامة، وتصريحات النخب والمسؤولين السياسيين. والأهم أنها موجودة على الصعيد العملي، في التدمير الممنهج لاتفاقيات أوسلو، حسم مسألة القدس، التوسع الاستيطاني وتكثيفه بشكل غير مسبوق، مشاريع الضم التي يتحدث بها المسؤولون الإسرائيليون في كل الأوقات والمناسبات، ضم الأغوار، مناطق “ج”، والحديث عن الترانسفير، واستخدام المصطلحات المتناقضة مع السلام، وتأكيد استمرار سياسة نفي وجود الآخر، “يهودا والسامرة”، بعد أن تم استخدام مصطلح “الضفة” في اتفاقيات السلام.

ما جرى وكان سببا لتحفيز التحريض هو الانقضاض على الاتفاقيات، والاستمرار بالاحتلال ورفض الدولة الفلسطينية، علاوة على إقرار قانون يهودية الدولة واحتكار حق تقرير المصير على أرض غير معروفة الحدود.

ببساطة إذا تخلصنا من فكرة نفي وجود الآخر العنصرية لن يفتح ذلك الطريق أمام التعايش ضمن حل الدولتين وحسب، بل وربما يفتح الطريق أمام الدولة الواحدة الديمقراطية يعيش فيها الشعبان في النطاق الجغرافي نفسه تحت سقف قانون واحد متفق عليه، ربما حينئذ يتصالح الجميع مع التاريخ والحاضر، ولكن هذا كله ليس قبل أن تنتهي الحرب الوحشية على قطاع غزة، بعدها يمكن الحديث عن التحريض؟

 

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى