مقالات

أهمية الصوت الفلسطيني

أهمية الصوت الفلسطيني

بقلم: عمر حلمي الغول 

استوقفني ما حمله مقال للدكتور ديمتري تشومسكي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية يوم الأحد الموافق 21 آب / أغسطس الحالي بعنوان “يتحتم على العرب التدفق لصناديق الاقتراع”، وجاء مقاله ردا على مقالين نشرتهما حنين مجادلة في الصحيفة ذاتها بتاريخي (28 تموز/ يوليو الماضي و4 آب الحالي) وخلصت مجادلة أن السبب في عدم ممارسة الفلسطينيين حق الاقتراع للكنيست يعود لعدم شعورهم بالانتماء، واتفق معها تشومسكي قائلا “كانت مجادلة محقة بادعائها، حيث لم يأتِ هذا الشعور من فراغ، بل هو واقع تكرس فيه دولة إسرائيل، جُل مواردها – قبل سن قانون القومية وبعده – لمواطنيها اليهود” الصهاينة. بالمقابل، تقوم الدولة بإقصاء المواطنين العرب، الذين يقبعون في أسفل سلم المواطنة بشكل ممنهج عن تلك الموارد”

ورغم توافقه مع الكاتبة الفلسطينية، إلا أنه لا يتفق معها في استنتاجها، بأن الفلسطينيين العرب سيقترعون “حين يشعرون بالانتماء على أرض الواقع.” وطالب الجماهير الفلسطينية قائلا، لكني أدعو إلى عكس ذلك تماما، أي “يتحتم على المواطنين العرب الاقتراع ليشعروا بالانتماء للدولة على أرض الواقع”

وبدوري أتفق مع جزئيات من مقالات مجادلة وتشومسكي، المتعلقة بالتمييز العنصري البغيض، والمجبول بالكراهية والحقد والتحريض الأسود على الفلسطينيين في كل مناحي الحياة، وبالتالي الدولة الصهيونية القائمة على رواية مزورة، هدفها الأساس التطهير العرقي المباشر للفلسطينيين من وطنهم الأم، وطمس هويتهم الوطنية، وارتكاب كل الانتهاكات السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية واللوجستية والديموغرافية ضد كل مواطن فلسطيني، حتى لو كان مرتبطا وعاملا في مؤسسات الدولة الكولونيالية، والعمل على عزلهم كليا عن مركبات دولة لا تمثلهم، ولا يشعرون بالانتماء لها. لأنها دولة جاءت لنفيهم، والتخلص منهم، وتشريدهم جميعا للمنافي. وعليه فإن الاستنتاج العلمي والمنطقي لما تقدم، خلقت إسرائيل المارقة حاجزا وفاصلا عميقا بين المواطن الفلسطيني العربي ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقانونية القضائية والثقافية، كونها قائمة على مركب أساس إجلائي لهم وإحلالي للمستعمرين الصهاينة.

وسقوط أي شعور بالانتماء، حتى لو حملوا الجنسية الإسرائيلية. فهناك فرق بين أن تحمل جنسية ما لأسباب موضوعية، خارجة عن إرادتك، أو حتى بإرادتك، وبين الانتماء للدولة صاحبة الجنسية، فما بال أي مراقب عندما تكون جنسية دولة تطهير عرقي وعنصرية مفرطة، والأكثر فاشية في العالم المعاصر. رغم مرور 74 عاما على قيامها، إلا أنها ترفض من حيث المبدأ الإقرار بحق تقرير المصير للفلسطينيين على أرض وطنهم الأم، وترفض بناء جسور السلام والتعايش.

والأهم مما تقدم، أني أرى ضرورة التوجه لصناديق الاقتراع، ليس لتأكيد الانتماء للدولة، لأنه مفقود، وغير موجود، ولا أساس له في الواقع العملي، وإنما لأن التصويت الفلسطيني العربي يمنحهم وزنا وثقلا وقوة أكبر في الهيئة التشريعية الأولى في إسرائيل، وكلما زاد وزن النواب الفلسطينيين العرب في الكنيست، عمقوا أزمة إسرائيل من جهة، وكلما تمكنوا من تحقيق مكاسب لوجستية، وديموغرافية وثقافية وقضايا مطلبية أخرى ذات صلة بمصالح الجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، من جهة أخرى. كرسوا مكانتهم المركزية في المشهد السياسي والقانوني والبرلماني الإسرائيلي باعتبارهم بيضة القبان، التي لا يمكن للدولة الإسرائيلية السير بدون أخذ موافقتها، وتبنيها لهذا التوجه أو ذاك،

وعليه فإن أهمية التصويت الفلسطيني العربي تتمثل في تأكيد دورهم كعنوان أساسي في المعادلة الإسرائيلية، والرقم الصعب في المجتمع الكولونيالي. والذي يمكن أن تنتج عنه حملة تطهير عرقي ضد النواب الفلسطينيين، فيتم تنفيذ خيار بن غفير الترانسفيري، ليس لأراضي السلطة الفلسطينية، وإنما للخارج، لبلدان المنافي والشتات. وقد تطال أيضا النواب الإسرائيليين الديمقراطيين، الذين ينادون ويدعمون حق الفلسطينيين بتقرير المصير، ويناضلون لتحقيق خيار السلام وتجسيد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في داخل الداخل.

إذن أيا كانت الملاحظات على الأحزاب الفلسطينية المكونة للقائمة المشتركة فالضرورة الوطنية والقومية والاجتماعية تحتم التدفق والتوجه بقوة لصناديق الاقتراع ليتمكن أبناء الشعب في الـ48 من إحداث النقلة المطلوبة نوعيا. صوتوا تربحوا أنفسكم وشعبكم وتاريخكم ومستقبلكم.

عن الحياة الجديدة

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى