مقالات

الجامعات الأميركية.. حراك تاريخي

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – هناك انتفاضة حقيقية في الجامعات الأميركية ضد وحشية إسرائيل وحرب الإبادة التي تنفذها في قطاع غزة بشكل بشع ومن دون رادع، والمعروف ان الجامعات الأميركية كانت ولا تزال احد اهم قلاع اللوبي الصهيوني، فمن يسيطر على عقل المجتمع يسيطر على كل شيء، وهنا تكمن أهمية انتفاضتها اليوم ضد إسرائيل، فهي مؤشر على تغيير جذري، سواء بما يتعلق بسطوة اللوبي الصهيوني، فالانتفاضة تعبير على تآكل هذه السطوة، كما ان ما يجري يعكس بالضرورة نقلة مهمة في الرأي العام الاميركي، الذي كان يدعم في معظمه إسرائيل دون تحفظ. ومما تجدر الاشارة اليه ان الجامعات في الولايات المتحدة تعتبر من اهم جامعات العالم، فهي بهذا المعنى ليست عقل اميركا وحسب وانما هي جزء مهم من عقل العالم وتأثيرها عميق في مجال البحوث والتقدم التكنولوجي والفكري، فهناك خمس جامعات اميركية من بين اهم عشر جامعات في العالم، وتسع جامعات من بين عشرين اهم جامعة.

وبما يتعلق بالدور التاريخي للجامعات الاميركية في مجال السياسية، فقد كانت هذه الجامعات اول من انتفض ضد العنصرية داخل الولايات المتحدة، وضد حرب فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ولاحقا ضد نظام الابرتهايد في جنوب إفريقيا، وما ان تبدأ الجامعات الأميركية بالتحرك حتى يتحرك كل المجتمع، وتبدأ عملية التغير الاستراتيجية. هكذا حصل في معظم القضايا. اما عن علاقة اللوبي الصهيوني بالجامعات الأميركية، فمصدره أساسا المال، سواء ذلك الذي يأتي عبر اقرار الموازنة في الكونغرس الأميركي، او عبر التبرعات المباشرة، هذا التأثير المالي قاد الى التأثير على القرارات، والمصدر الثاني لسطوة اللوبي، هو سيطرته على عدد من الأقسام وخاصة القانون، والتاريخ، والعلوم السياسية، ومؤخرا في عالم الاتصالات والانترنت.

فلسطين تعود من حيث المكان الذي تم تفكيكها فيه، اقسام الدراسات التوراتية في هذه الجامعات، عندما تم تحويل الكتاب المقدس والاسطورة الى تاريخ عبر عملية تزوير كبرى تم خلالها شطب فلسطين من التاريخ والجغرافيا. اليوم وفي الجامعات الأميركية تنتصر فلسطين وقد يكون إعادة فرض وجودها على الخارطة من جديد انطلاقا من هذه الجامعات. في القرن الثامن عشر والتاسع عشر كان الشغل الشاغل للجامعات في اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، هو البحث عن تاريخ إسرائيل القديمة وعن بني إسرائيل في فلسطين، عبر ما هو مكتوب، ومن خلال علم الآثار. وكان الهدف إقامة “الدولة اليهودية” على أنقاض فلسطين وشعبها.


اقرأ|ي أيضاً| مظاهرات متواصلة في جامعات أميركية لوقف العدوان على غزة


إذا ما تواصلت انتفاضة الجامعات الاميركية وانتقلت الى المجتمع الاميركي، وبدأت تؤثر فعلا في الوعي، فان تاريخا جديدا قد تكتبه هذه الجامعات، يزيل الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني على امتداد اكثر من قرن. كما ان هناك اهمية ان يأخذ التحرك بعده الأكاديمي بان يتخلص من اللاموضوعية في مجال البحث المتعلق بقضايا الشرق الاوسط، وخصوصا بالقضية الفلسطينية، إضافة الى ممارسة المقاطعة على كل الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين الذين لهم علاقة بالاحتلال والاستيطان، وأولئك الذين يتنكرون للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

ربما هناك حاجة للاشارة الى ان اول رسالة دكتوراة تمنحها جامعة هارفارد كانت عبارة عن بحث يتعلق باللغة العبرية في القرن الثامن عشر، وكيف تم تصنيف هذه اللغة باعتبارها لغة مقدسة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن كانت الجامعات الأميركية تقع تحت تأثير المسيحيين الصهاينة، والصهيونية اليهودية. فالسؤال ان كان طلاب الجيل الحالي سيغيرون هذه المعادلة التي استمرت مئات السنين؟ في مثل هذه الحالة فإن الرهان ان تتواصل هذه الاحتجاجات حتى تتمكن من التغيير، فاللوبي الصهيوني لوبي ماكر متمكن لديه أساليب يمكن من خلالها قلب الأحداث لصالحه، قد يكون هناك ضرورة ان يجد اللوبي العربي فرصة تاريخية ليكون له دور في البعد الأكاديمي أيضا، عبر النظر لحاجات الجامعات، ودعم بعض البحوث الأكثر موضوعية نحو الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية، وتلك التي من شأنها تصحيح التاريخ الذي جرى مسح فلسطين منه.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى