لماذا يخشى الإسلاميون الرأي الآخر؟

بقلم عماد عبد الحافظ – خلال الأعوام الأخيرة ازدادت مساحة النقد الموجه للفكر الديني، وعلى الرغم من أنّ التيار الإسلامي، الذي يُعدّ أحد الممثلين لهذا الفكر، له حضور وتأثير في المجتمع بصورة أكبر من تيار النقد الديني؛ إلا أننا في الكثير من المواقف نلاحظ حالة من الخوف والتحفز من جانب التيار الإسلامي تجاه أيّ فكرة أو أيّ نقد يتعارض مع ما يعتقده المنتمون لهذا التيار، ورغبة في إسكات أيّ صوت مخالف، ومحاولات حثيثة لمنع أيّ رأي مخالف لما هو مستقر في عقولهم من أفكار يعتقدون أنّها هي الحقيقة المطلقة، بكل السبل الأخلاقية وغير الأخلاقية.
ويعبّر البعض عن تعجبه من ذلك الموقف الذي يبدو متناقضاً لدى الإسلاميين، متسائلاً كيف يعتقدون أنّ أفكارهم تعبّر عن حقائق مطلقة لا تقبل الشك، وفي الوقت نفسه يكون لديهم ذلك القدر من الخوف والحساسية تجاه أيّ نقد لها أو فكرة متعارضة معها! هل هذا الخوف والسعي لمواجهة كل فكرة مخالفة أو نقد للفكرة يعكس قناعة قوية بها وولاءً لها، أم أنّه في بعض الأحوال يعكس هشاشة الفكرة داخل عقل الفرد؟
يمكننا تفسير هذا الموقف من خلال أمرين؛ الأول هو أنّه على الرغم من رسوخ القناعات الدينية داخل عقل الأفراد المنتمين للتيار الإسلامي بكل مكوناته؛ إلا أنّها في الوقت ذاته قناعات هشة وضعيفة، حيث إنّها لم تنتج عن تفكير ودراسة وبحث واطلاع على أفكار لشخصيات وتيارات وثقافات متعددة، ولكنّها تمثل ثقافة أحادية جاء أغلبها من خلال التواجد داخل أطر تنظيمية وحركية تفرض على المنتمين إليها سياجاً يمنعهم من الاطلاع على أفكار وثقافات مغايرة، وتعمل على ترسيخ قناعات وأفكار بداخلهم باعتبارها المعبرة عن حقيقة الدين، وتصور لهم أيّ فكر مخالف على أنّه متعارض مع الإسلام ومناوئ له، كما أنّ جزءاً من تلك القناعات يمثل ثقافة سائدة في المجتمع يتم اكتسابه من خلال الحياة فيه واستدماجه داخل الفرد حتى يصبح جزءاً من شخصيته؛ وبالتالي لا تعبّر تلك الأفكار في الغالب عن قناعات مصدرها العقل ولكن قناعات مصدرها العاطفة والاتباع، وتصبح فيما بعد بمثابة مُسلّمات داخل عقل الفرد، وحقائق مطلقة لا تقبل الشك ولا تحتاج إلى المراجعة، وتصير تلك القناعات بالنسبة إلى الفرد هوية إذا طالها الشك فإنّه يفقد هويته، كما أنّها تمثل له مصدراً لليقين، إذا فقده فإنّه يفقد وجوده، ومن ثم يصبح الدفاع عنها بمثابة دفاع عن الوجود.
الأمر الثاني هو أنّ الفرد لديه اعتقاد أنّ تلك القناعات والأفكار الدينية التي يعتقد أنّها تمثل الحقيقة المطلقة وتعبّر عن الدين الصحيح هي التي يجب على الجميع الاعتقاد بها، ويرى أنّ كل فكرة مخالفة لها هي فكرة خاطئة، وبالتالي فهو يعمل على نشر تلك الأفكار في المجتمع كله، ويقف بكل قوة تجاه أيّ محاولة لنقد تلك الأفكار أو التشكيك في تلك القناعات، حتى لا يتأثر أفراد المجتمع بأيّ رأي أو فكرة مخالفة، وتظل أفكار التيار الإسلامي فقط هي السائدة والمسيطرة.
لكنّ السؤال الذي نود طرحه هنا هو: هل هذا الموقف الذي يتخذه الإسلاميون تجاه أيّ طرح أو نقد لأفكارهم، والذي يتجاوز ـ في كثير من الأحيان ـ الرد الموضوعي على الأفكار والآراء ليصل إلى حد التشويه والسب وغير ذلك من الأساليب، وعدم الاهتمام بمضمون الأفكار المطروحة والعمل على شخصنة الأمور، وعدم ممارسة أيّ نوع من المراجعة والنقد الذاتي للأفكار الراسخة؛ هل يؤدي هذا إلى القضاء على الاتجاه الناقد للفكر الديني، ومنع الآراء المخالفة من الحضور والانتشار والتأثير، أم ربما يُحدث تأثيراً عكسيّاً؟
في الحقيقة أنّ تلك الممارسات، وإن كانت ذات نفع مع المنتمين للتيار الإسلامي بمفهومه العام، من حيث إنّها تساهم في تثبيت القناعات بصورة أكبر داخل عقولهم، وتحشد جهودهم لمزيد من المواجهة تجاه التيارات الأخرى، إلا أنّها على الجانب الآخر تزيد التيار الإسلامي انغلاقاً على نفسه، وتفتح الباب أمام مزيد من النقد لأفكار التيار الديني، وتعطي صورة للكثيرين ممّن لا ينتمون لأيّ تيار أنّ الفكر الديني يعاني من أزمة، وأنّ هناك العديد من جوانب القصور في أفكاره المطروحة؛ الأمر الذي يزيد من مساحة النقد والتجاوز مع الوقت لهذا الفكر.
عماد عبد الحافظ – كاتب مصري