دراسة حديثة تكشف : لماذا يعادي الإخوان المسلمين الدول الوطنية؟

شعاع نيوز – يدرك المتابعون لحركة وأنشطة جماعة الإخوان أنّها ما تزال تحاول تهديد استقرار الدول وأمنها الداخلي، لا سيّما الدول المناوئة لها، التي تمثل نموذجاً للوسطية والاعتدال والتعايش مع الآخر، وذلك من خلال العمل على نشر الفتن وإشاعة الفوضى والتحريض على العنف داخلها، وهذا ما جعل عدداً من تلك الدول مصممة على إدراج الجماعة ضمن قوائم العنف والإرهاب، على غرار مصر التي أصدرت إحدى محاكمها في 4 كانون الثاني (يناير) 2024 حكماً بإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب، وذلك وفق دراسة حديثة صادرة عن مركز (تريندز للبحوث والاستشارات).
وتشير الدراسة التي جاءت تحت عنوان: “لماذا تحاكم الدول جماعة الإخوان؟”، إلى مجموعة من الأسباب التي تدفع جماعة الإخوان المسلمين للاستمرار في نشر الفتن داخل الدول، لا سيّما تلك الدول التي فشلت فيها سياسيّاً مثل مصر وتونس، أو تلك التي لم تستطع اختراقها فكريّاً وتنظيميّاً، على غرار العديد من دول الخليج.
أسباب العداء
وفق الدراسة، لا تستطيع جماعة الإخوان العيش في البيئات المستقرة سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً، وإنّما تنمو وتترعرع في البيئات المضطربة سياسيّاً واجتماعيّاً أو تلك التي تعاني من الصراعات الطائفية والعرقية والدينية، وهو ما يجعل جماعة الإخوان المسلمين تُحرّض على نشر الفتن والفوضى في الدول التي ترغب في اختراقها تنظيميّاً، حتى تتمكن من مدّ نفوذها التنظيمي إليها، وذلك من خلال العمل على التحريض على الأنظمة السياسية في البلاد، والطعن في شرعيتها.
وقد يصل الأمر إلى التحريض ضدَّ الدول نفسها بدعوى المطالبة بالحرية والديمقراطية التي أبعد ما تكون جماعة الإخوان عنها، وذلك لخلخلة التماسك داخل الدول وخلق حالة من الهشاشة الاجتماعية تمثل بيئة مواتية للجماعة لاختراقها تنظيميّاً، ومن ثم الحضور فيها والبدء في تطبيق المشروع الإخواني الهادف إلى ابتلاع الدول ومؤسساتها.
لذا يرى العديد من الباحثين أنّ الإخوان المسلمين، تنظيماً وجماعةً وحزباً، كيفما تلوَّن وتشكَّل، يُعدُّ تهديداً للأمن القومي أينما حلَّ، بعد أعوام وعقود عانت فيها دول العالم من عنف وإرهاب هذا التنظيم، وبعد تصنيف الجماعة تنظيماً إرهابيّاً في العديد من البلدان، نظراً لأنّ تنظيم جماعة الإخوان لا يحسن سوى التآمر والعمل السرّي والاغتيالات، بعد فشله الكبير في الحكم عندما تولى السلطة في مصر وليبيا وتونس والمغرب.
اختراق المجتمعات المتماسكة
يشير العديد من أدبيات التنظيمات المتطرفة، وفق الدراسة، إلى مصطلح الركيزة التنظيمية، وهو ما يعني ضرورة وجود عناصر موالية لهذه التنظيمات تعتنق أفكارها وتؤمن بتوجهاتها العقائدية داخل الدول التي تستهدفها هذه التنظيمات، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي تُعدّ المرجع الفكري لمعظم هذه التنظيمات، وهي العباءة الفكرية التي خرجت من أكمامها جلّ تلك التنظيمات.
وهو ما يجعل الجماعة تحاول اختراق الدول عبر عمليات الاستقطاب والتجنيد، لإيجاد هذه الركيزة التي تمثِّل بالنسبة إلى الجماعة النواة الأولى لنموها وترعرعها داخل الدول والمجتمعات، وربما هذا ما أثار المخاوف لدى العديد من الدول من وجود الإخوان على أراضيها بما فيها الدول الغربية، التي يُعرف بعضها بعلاقاته القديمة مع الإخوان على غرار بريطانيا، التي قال رئيس حكومتها دافيد كاميرون في 2015: إنّ بعض “أقسام حركة الإخوان المسلمين لهم علاقة ملتبسة جدًاً بالتشدد الذي يقود إلى العنف، وإنّها صارت نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات المرتبطين بالإرهاب، وإنّ حكومته ستعمل على مراقبة نوعية آراء وأنشطة أعضاء حركة الإخوان المسلمين فوق الأراضي البريطانية”.
لكنّ العقبة التي قد تواجهها الجماعة لتحقيق الاستقطاب والتجنيد هي تمتّع بعض الدول بالاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي ورسوخ الوسطية والاعتدال الديني داخلها، لذا تسعى الجماعة إلى نشر الفوضى وزرع الفتن داخل المجتمعات من خلال الترويج للأكاذيب والشائعات حتى تتمكن من اختراق المجتمعات، وبالتالي استقطاب مجموعات من الشباب ذوي الميول المتطرفة دينيّاً، وهناك أدوات كثيرة تعتمد عليها جماعة الإخوان الإرهابية في نشر الأكاذيب وإثارة الفتن وتأليب الرأي العام؛ منها شخصيات إعلامية، وصفحات ومنصات على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب الدراسة.
إضعاف المجتمعات المستقرة
تحت هذا العنوان تشير الدراسة إلى أنّه بالرغم من قدرة جماعة الإخوان على الحضور في العديد من المناطق الجغرافية، غير أنّ هناك بعض المناطق التي أثبتت أنّها عصية على الجماعة، وترفض انتشارها على أراضيها، وفي مقدمة هذه المناطق منطقة الخليج العربي التي أثبتت أنّها عصية على الاختراق الإخواني، سواء من الناحية الفكرية أو التنظيمية، وهو ما يعود إلى مجموعة من الأسباب؛ منها رسوخ الفكر الوسطي، وشيوع فكر التسامح والتعايش، والعادات العربية الأصيلة القائمة على احترام ولي الأمر ورفض فكرة الخروج على الحاكم.
وهو ما جعل الجماعة على مدار أعوام طويلة تعمل جاهدة على مدّ نفوذها إلى دول تلك المنطقة، وذلك من خلال محاولة تأسيس مجموعات سرّية من خلال العمل على استقطاب بعض الشباب ذوي الميول الدينية المتطرفة، من خلال تجنيد الشباب والسيطرة على عقولهم عبر المتاجرة بالمفاهيم، من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. وتهدف هذه الجماعات لوضع الدين في مقابل الوطن لإحداث حالة من التشتت، وترسيخ مفاهيم مغلوطة، كأنّ الدين والوطن نقيضان، لضرب استقرار المجتمعات والتهوين من مكانة الأوطان، التي تعلي نصوص الشريعة الإسلامية منها، بل جعلت حبَّ الأوطان جزءاً من عقيدة المسلم.
هدم الدولة الوطنية
يشكّل مفهوم الدولة الوطنية معضلة حقيقية بالنسبة إلى جماعة الإخوان، وفق الدراسة، لكونه يتنافى مع أهدافها الأممية التي كرسّها حسن البنا داخل الجماعة، والتي تهدف إلى السيطرة على العالم العربي والإسلامي بدعوى إعادة الخلافة الإسلامية التي سقطت عام 1924، وبالتالي فمفهوم الدولة الوطنية ومفهوم المشروع الوطني يصطدم كليّاً بشكله ومضمونه مع نهج جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتبنّى النهج الوطني لدولة ما أو مجموعة أو حزب من مصالح الشعب والوطن الذي يوجد فيه هذا الشعب، بغضّ النظر عن انتماء هذا الشعب لإثنية أو عرق ما، لذلك يتعارض المفهوم الوطني جملةً وتفصيلاً مع نهج جماعة أو حزب الإخوان المسلمين، بغضّ النظر عن المسمّى الذي يوجد في هذه الدولة أو تلك.
وهو ما يجعل الجماعة تسعى إلى ضرب الاستقرار داخل الدول الوطنية للقضاء عليها، عبر نشر الفتن وترويج الأكاذيب، وكذلك التحريض على العنف والإرهاب، ومهاجمة الأنظمة السياسية القائمة في تلك الدول، بزعم أنّها لا تحكم بالشريعة ولا تطبِّق مفهوم الولاء والبراء في علاقاتها الخارجية، لا سيّما مع الدول الغربية التي تزعم الجماعة أنّها دول معادية تتآمر على الإسلام والمسلمين.
كذلك تشير الدراسة إلى أنّ المتأمل في فكر الجماعة يجد لديها مشكلة مع مفهوم الوطن، ومردُّ هذه المشكلة هو حقيقة أنّ الانتماء الوطني هو الصخرة التي تتحطم عليها آمالهم وطموحاتهم السياسية في الوصول إلى الحكم. فجماعة الإخوان المسلمين عملت منذ نشأتها على محاولة هدم الأوطان، وبناء دولتهم المنشودة (دولة التنظيم الدولي للجماعة) القائمة على إيديولوجيا التنظيم، فكل من هو خارج التنظيم هو خارج هذه الدولة التي يسعون منذ منتصف القرن المنصرم لإقامتها على أنقاض الدول العربية والإسلامية القائمة.
ويمثّل نشر الفتن أهم الأدوات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم، وذلك من خلال مهاجمة الأنظمة السياسية والطعن في شرعيتها الدينية واتهامها بالعمالة والخيانة، حتى يفقد المواطنون ثقتهم في دولهم وقادتهم، وهو ما تعتقد الجماعة أنّه يفتح الباب أمامها لتصدُّر المشهد السياسي، ومن ثم انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على الحكم، فجماعة الإخوان المسلمين مصابة بما يُعرف سياسيّاً ونفسيّاً بهوَس السلطة، وليست لديها مشكلة في أن تفعل أيّ شيء وكل شيء مقابل أن تصل إلى السلطة، سواء من خلال المسار السياسي أو العنف أو الانقلاب على السلطة في البلد الذي توجد فيه.
فالوصول إلى الحكم غاية في حدّ ذاته عند جماعة الإخوان المسلمين وليس وسيلة، بمعنى أنّها لن تقبل أن يتولّى الحكم أيّ تيار أو فصيل سواها، حتى لو أعلن أنّه يطبّق الشريعة، لأنّ الجماعة تعدُّ نفسها الوحيدة المنوط بها هذا الأمر، لذا ترى الوصول إلى السلطة وبناء حكومة إخوانية ركناً لا يكتمل بنيان الدين بدونه، وأنّ السعي لإقامة هذا الركن أصبح فرضاً لا مناص منه وأولوية تسبق أيّ مطلب آخر، وقد اعتبر (البنّا) أنّ “قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفّرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف”.
وبالتالي، فإنّ هدم الأنظمة السياسية القائمة في الدول المستقرة وبناء دولة الإخوان تعتبره الجماعة غايتها الكبرى، التي يمكن لها من خلالها قيادة الأمّة الإسلامية والعالم، طبقاً لنظرية “أستاذية العالم” التي وضعها مؤسس الجماعة حسن البنّا، وطبقاً لنظرية “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، كما تعتبر الجماعة أنّ أيّ وسيلة أو آلية تؤدي للوصول إلى الحكم واجبة، حتى ولو لم تتوافق مع أسسها الفكرية وقواعدها المنهجية، لأنّ تلك الوسائل في هذه الحالة تعتبر من مقتضيات المنهج الحركي لا الفكري، حيث تفرّق الجماعة بين الحركة والفكر فيما يتعلق بالوسائل والغايات، إذ إنّ فكر الجماعة يقوم على بنية تضادية؛ فالتناقض يستشري في الأفكار إلى درجة يصعب معها التعرُّف على المقاصد.
المصدر : حفريات