موجة جديدة من الإرهاب.. هل عاد داعش بالفعل؟
داعش يستعيد قوته في سوريا والعراق وأفريقيا
شعاع نيوز – برغم أن أغلب التقارير الاستخباراتية أجمعت على أن تنظيم داعش أصبح شيئاً من الماضي وسيتلاشى في التاريخ وأنه فقد قوته في أغلب البلدان التي نشأ وتمدد فيها، غير أن “المركز العربي لدراسات التطرف قد أشار في دراسة حديثة له أن التنظيم المتطرف لا يزال نشطا، وأن هذه المنظمة الإسلامية الإرهابية تظل واحدة من أهم الجهات الفاعلة السياسية غير الحكومية على مستوى العالم.
وأشارت الدراسة إلى أن التنظيم، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهد “انبعاثاً” جديداً، ليس فقط في قاعدته في سوريا والعراق، ولكن أيضاً في أفغانستان ونيجيريا وموزمبيق وجنوب شرق آسيا ومناطق أخرى، وأنه أثبت أنه منظمة شديدة المرونة، وجاهزة للتكيف مع الظروف، وقادرة على التجدد على الرغم من تعدد الخصوم.
الصعود والسقوط السريع لتنظيم الدولة الإسلامية
الدراسة، التي نشرها المركز بعنوان “موجة جديدة من الإرهاب: “انبعاث” تنظيم الدولة الإسلامية”، أشارت إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية استغل الفوضى والاضطرابات التي أعقبت اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011 وانسحاب القوات الأمريكية من العراق، فاستولى على أجزاء شاسعة من كلا البلدين.
وفي عامي 2014 و2015، سيطر التنظيم على مساحة بحجم المملكة المتحدة تقريباً وأعلن الخلافة.
وبحلول نهاية عام 2015، كان تنظيم داعش يسيطر على 12 مليون نسمة، بميزانية سنوية تبلغ مليار دولار من عائدات النفط والغاز، و30 ألف مقاتل مسلح بمعدات عسكرية عالية الجودة استولى عليها من الجيشين العراقي والسوري.
وكان أعظم إنجاز له هو الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في العراق، الموصل، التي ظلت تحت سيطرة الجهاديين من صيف عام 2014 إلى صيف عام 2017.
وقد فرض تنظيم داعش حكماً إرهابياً، بما في ذلك نظام متطرف من الشريعة، والنهب، والاختطاف، والتدمير الثقافي، والقتل، واضطهاد جميع المعارضين، بما في ذلك الشيعة واليهود والمسيحيين وغيرهم.
كما ارتكب إبادة جماعية ضد اليزيديين. وإلى جانب سوريا والعراق، تمكن تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً من الاستيلاء على أراضٍ في ليبيا ومصر ونيجيريا ومالي وباكستان وأماكن أخرى.
وعلى الرغم من نجاحاته، لم يتمكن تنظيم داعش من الصمود لفترة طويلة في العراق وسوريا بسبب ضعفه مقارنة بالجيوش المحترفة والتدخلات الروسية والأمريكية، فبحلول ربيع عام 2019، خسر التنظيم كل أراضيه تقريباً في العراق وسوريا واقتصر على جيوب صحراوية وخلايا تحت الأرض. وبحلول نهاية عام 2020، تضاءلت أنشطة حرب العصابات التي يشنها بشكل أكبر. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان هناك تحول.
العودة من الموت
هذا وأشارت الدراسة إلى تنظيم داعش لا يزال اليوم في 2024 على قيد الحياة ويتمتع بصحة جيدة، وهو في أوج نشاطه منذ خمس سنوات. وينشط التنظيم بشكل خاص في سوريا، حيث يقود تمرداً منخفض الكثافة ولكنه شديد العناد.
ويتركز وجود داعش بشكل أقوى في المناطق الصحراوية مثل الأجزاء الشرقية من محافظات حمص والرقة ودير الزور. وأصبحت هذه المحافظات السورية موقعاً لهجمات حرب العصابات المتكررة التي يشنها داعش على قوات الجيش السوري والميليشيات المحلية.
وفي العراق، يحتفظ تنظيم الدولة الإسلامية بشبكة واسعة من الخلايا السرية (العديد من أعضائها من المؤيدين المحبطين لصدام حسين الراحل)، وخاصة في الأجزاء الشمالية والغربية من البلاد. وبينما ضعف التنظيم بشكل كبير، لا تزال خلاياه تنفذ هجمات حرب عصابات على قوات الأمن العراقية والمدنيين.
وكشف تقرير صادر عن وزير الدفاع الأمريكي في منتصف يوليو/ تموز أن عدد هجمات داعش في سوريا والعراق ارتفع بشكل كبير هذا العام، وقد يتضاعف بحلول نهاية العام مقارنة بالعام الماضي.
وبحسب الدراسة ينشط داعش في خلايا سرية في باكستان وإندونيسيا. وفي السنوات الأخيرة، حقق نجاحاً كبيراً في أجزاء من إفريقيا ذات أغلبية مسلمة. ومنذ بداية عام 2021، تمكنت قوات تنظيم الدولة الإسلامية من الاستيلاء على مناطق كاملة في نيجيريا وموزمبيق، فضلاً عن تأسيس خلايا سرية في مالي وبوركينا فاسو.
اقرأ|ي أيضاً| بحث يحذر من استغلال داعش لما يجري في فلسطين
نشاط خطير لتنظيم داعش في خراسان
إلى ذلك أشارت الدراسة إلى فرع داعش المعروف باسم ولاية خراسان في أفغانستان، لا يزال نشطاً للغاية، على الرغم من سيطرة طالبان على البلاد قبل عامين بالضبط.
وتنشط خلايا داعش بشكل أكبر في المقاطعات الأفغانية الشرقية مثل ننكرهار وكونار، ولكن أيضاً في الدول المجاورة مثل باكستان وجمهوريات آسيا الوسطى.
وفي كانون الثاني / يناير، نظمت ولاية خراسان تفجيراً في كرمان بإيران أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص وإصابة 284 آخرين. وفي آذار / مارس ، نفذ التنظيم هجوماً إرهابياً كبيراً في قاعة حفلات موسيقية في كراسنوجورسك مما أسفر عن مقتل 145 شخصاً وإصابة أكثر من 500 آخرين. والتنظيم مسؤول عن العديد من الهجمات على مؤسسات الدولة التابعة لطالبان وكذلك على المدنيين.
أسباب “الانبعاث”
وبحسب ما ورد في الدراسة فإن الجهاديين، في سوريا والعراق (وتنطبق هذه الحجج على أماكن أخرى مماثلة)، استغلوا “تراخي” الحكومات المحلية والقوات الأجنبية، الذين اعتقدوا أن المشكلة قد حُلَّت، ودخلوا منطقة راحة معروفة وخطيرة للغاية.
فبعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، انسحبت القوات السورية والعراقية، إلى جانب الحلفاء الأجانب، من المناطق المحررة، تاركة وراءها قوات أمنية وعسكرية ضعيفة وغير قادرة على الحفاظ على النظام والاستقرار.
وقد سمح هذا لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية بإعادة تنظيم أنفسهم والاستعداد لعمليات جديدة، وخاصة في المناطق الريفية والصحراوية في العراق وسوريا.
كما استفاد تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كبير من حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة ركزت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله وحماس والميليشيات الشيعية بدلاً من السنة المتطرفين، الذين يشكلون تهديداً أعظم كثيراً للغرب.
هذا بالإضافة إلى أن مقاتلي داعش أصبحوا أكثر خبرة ومهارة في التخطيط الاستراتيجي للعمليات العسكرية والإرهابية بعد أكثر من عقد من الحرب. وقد ثبت أن التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية يتم تعلمها بشكل أفضل في القتال. وعلى نحو واضح، كانت تمردات داعش هذه المرة أبطأ وأقل بريقاً من ذي قبل ولكنها بالتأكيد أكثر تعقيداً.
كما سمحت الانتفاضات والهروب من السجون (بقيادة الإدارات الفاسدة) للمقاتلين ذوي الخبرة بالعودة إلى ساحة المعركة، مما عزز قدرات داعش.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 10000 من أعضاء داعش يقضون حالياً أحكاماً بالسجن في سوريا والعراق. وإذا تم إطلاق سراحهم بطريقة أو بأخرى (وهو أمر ليس مستحيلاً نظراً لعدم الاستقرار السياسي هناك)، فإن داعش ستكتسب دفعة هائلة لهجمات جديدة واسعة النطاق.
حالياً، لدى داعش قوة تتألف من حوالي 3000 مقاتل في سوريا والعراق. وبفضل انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والأجهزة التكنولوجية الأخرى، تنتشر الدعاية الإسلاموية بشكل لا يمكن السيطرة عليه في جميع أنحاء العالم.
المستقبل “المشرق” للإرهاب
الدراسة خلصت إلى أنه من المتوقع أن يتمتع الإرهاب الإسلاموي بمستقبل “مشرق” في الأمد القريب بالنظر إلى الظروف الجيوسياسية الحالية والخصائص الدائمة للحركة الجهادية العالمية، حيث يتم تحديد التهديدات الأساسية بوصفها قوى منافسة – حلف شمال الأطلسي وروسيا والصين وإيران (اعتماداً على المنظور).
كما رجحت أن يستمر تنظيم الدولة الإسلامية في نشاطه في قاعدته، العراق وسوريا، والشرق الأوسط الأوسع. وقد تؤدي الأعمال الإرهابية والعسكرية إلى زعزعة استقرار الدول في الشرق الأوسط والساحل وجنوب ووسط آسيا، وإحداث أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية جديدة.