مسؤولة في منظمة أوكسفام للغارديان: كيف تتسامح المملكة المتحدة و العالم مع هذه الفظائع في غزة

شعاع نيوز – ترجمة خاصة –  نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لمسؤولة الإعلام في منظمة أوكسفام الخيرية ومسؤولة في منظمة “انقذوا الأطفال” البريطانية  شيماء العبيدي، تساءلت فيه عن أسباب تسامح بريطانيا والعالم  مع الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، معتبرة أن تجدد الغارات الإسرائيلية على القطاع يعني تجدد حكم الإعدام على أطفال غزة.

وقد زارت غزة وتتحدث عن ما عاشته هناك وتقول: عندما استيقظتُ في منتصف ليلة الثلاثاء على دوي الغارات الجوية وأصوات صفارات سيارات الإسعاف الصارخة، أدركتُ سريعًا أن القوات الإسرائيلية، مرةً أخرى، تُطلق العنان لجحيمها على غزة. كانت ليلةً من الرعب، لكنها ليلةٌ مألوفةٌ جدًا لأطفال غزة وعائلاتهم بعد 16 شهرًا من الحرب. أفادت التقارير بمقتل 174 طفلًا – وهو أحد أكبر أعداد القتلى من الأطفال في يوم واحد.

تصاعدت الأحداث بسرعة منذ ذلك الحين. لا تزال الهجمات مستمرة، وغزة مُقسّمةٌ من جديد. فرض الجيش الإسرائيلي قيودًا، مانعًا الوصول إلى شمال غزة من الجنوب. يواجه أكثر من 50 من زملائي في الشمال الآن خيار البقاء لمواجهة الدبابات والرصاص أو مغادرة منازلهم دون لحظةٍ تُذكر لاستيعاب خسائرهم.

يُمثل هذا التجدد للعنف انتكاسةً مُدمرةً للعائلات التي بدأت لتوها في البحث عن الأمل بعد توقفٍ دام ثمانية أسابيع في القصف. عاد الكثيرون إلى الشمال ليروا ما تبقى من منازلهم. بدأ الآباء والأمهات بتلقي العلاج لأطفالهم الذين يعانون من سوء التغذية والتركيز على صحتهم. ولأول مرة منذ زمن طويل، أصبح بإمكان الناس أن يرثوا أحباءهم المفقودين – لحظات فاتتهم وهم يحاولون ببساطة البقاء على قيد الحياة.

وصلتُ إلى غزة بعد وقت قصير من سريان وقف الأعمال العدائية في 19 يناير. غمرتني دوامة من المشاعر: امتنان لفرصة إحداث فرق، ولكن أيضًا خوف عميق من انهيار الهدنة في أي لحظة. كنتُ قد هيأت نفسي للأسوأ. كانت صور غزة التي غمرت وسائل التواصل الاجتماعي مروعة، لكن الواقع على الأرض كان أسوأ. لم يكن هناك ما يمكن أن يُهيئني لما رأيته. عندما وصلتُ، كانت الحافلة التي كنا على متنها تمر عبر بحر من الأنقاض – لم يبقَ شيء قائمًا. لا مبانٍ. فقط دمار لا نهاية له.

كيف للعالم أن يسمح بحدوث هذا؟ عائلات بأكملها مُبيدة. آباء يدفنون أطفالهم؛ وآخرون غير قادرين حتى على ذلك لأن أطفالهم مدفونون تحت الأنقاض. عمال إغاثة قُتلوا. دُمرت المستشفيات والمدارس. واضطر العاملون في مجال الصحة إلى علاج المصابين دون مستلزماتهم الأساسية. أظهرت عناوين الأخبار خلال الأشهر الستة عشر الماضية أن حكومتي – حكومة المملكة المتحدة – إلى جانب قادة غربيين آخرين، وقفوا متواطئين في المعاناة. لم أكن أعلم أن السياسة يمكن أن تكون بهذا الجمود، وغير مبالية بحياة الإنسان.

أكثر ما أدهشني كان الأطفال. هؤلاء الأطفال لا أحذية لهم، ولا معاطف، ولا حماية من قسوة الطقس. على الرغم من كل شيء، كان لديهم نوع غريب من الصمود. ضحكوا، ولعبوا، وركضوا حفاة بين الأنقاض. حاولت إقناع نفسي بأنهم ربما وجدوا طريقة للعيش وسط هذا الكابوس.

على مدار الأسابيع الستة الماضية، قضيت وقتًا في التحدث إلى عائلات تدعمها منظمة “أنقذوا الأطفال”. سمعت قصصًا مفجعة. كل عائلة قابلتها نزحت، بعضها تشردت عشرين مرة. واجهوا جميعًا نقصًا في الغذاء. فقد بعض الأطفال ما يصل إلى 15 كيلوغرامًا من وزنهم بسبب الجوع المستمر. واضطر بعضهم إلى تناول علف الحيوانات لمجرد البقاء على قيد الحياة. يعاني البعض من صدمة شديدة من رؤية الموت وفقدان الأحبة، لدرجة أنهم يعانون من التبول اللاإرادي أو الصراخ أثناء الكوابيس. وفقدت العائلات كل ما كانت تملكه.

شعر البعض باليأس، معتقدين أن غزة لن تعود كما كانت. قالت إحدى الأمهات: “انظروا إلى الدمار. كيف يُمكن إعادة إعمارها؟” ومع ذلك، ظلّ البعض صامدين، بتفاؤلٍ مُعْدٍ. قال لي رجل: “ما قيمة الحياة إن لم يكن لدينا أمل؟” قالت لي أم أخرى: “سنُعيد بناء غزة. سيجعلها أطفالنا أفضل من أي وقت مضى”.

صدقتها عندما التقيتُ بأختين تدعمهما منظمة “أنقذوا الأطفال” من خلال برنامجها التعليمي. فبينما ينهار كل شيء من حولهما، ما زالتا تجرآن على الحلم. كانت ابتساماتهما تشعّ بالأمل، وأشرقت عيونهما حماسًا وهما تتحدثان عن طموحاتهما. بعد أيام قليلة، التقيتُ بفتاة في التاسعة من عمرها ضمن البرنامج نفسه. دمّر جرحٌ ناجم عن شظية جزءًا من جمجمتها، ولم يبقَ حول دماغها المكشوف سوى ضمادة. كان والداها متلهفين لإجلائها لتلقي رعاية طبية غير متوفرة في غزة. في البداية، أخبرهما الأطباء أن فرص نجاتها ضئيلة، وإذا نجت، فمن المرجح أن تُصاب بالشلل وتعجز عن الكلام. لذا، يكاد يكون من المذهل أنها تمشي، وتُظهر ذكاءً مذهلاً، وتتحدث بثقة. إنها تريد أن تصبح مُعلمة، لتتمكن من تعليم الآخرين كيفية إعادة إعمار غزة.

تعيش هؤلاء الفتيات، إلى جانب آلاف الأطفال الآخرين وعائلاتهم، في خيام غير مُجهزة، مع حد الأدنى للبقاء على قيد الحياة. توقفت المساعدات الإنسانية عن دخول غزة مطلع هذا الشهر، وتُدفع العائلات مجددًا إلى حافة الهاوية. والآن، شهر رمضان المبارك، الذي يجمع المسلمين مع عائلاتهم وأحبائهم. يبدو مختلفاَ في غزة، للعام الثاني على التوالي، نصب سكان غزة مقاعد فارغة حول طاولات مؤقتة.

مع استئناف الحرب، يتجدد حكم الإعدام على أطفال غزة. وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لحمايتهم من المزيد من الدمار الجسدي والنفسي. لا ينبغي لأي طفل أن ينظر في عيون والديه ويتوسل: “عدوني ألا أموت”. لا ينبغي لأي طفل أن يضطر أبدًا إلى البحث بين الأنقاض، باحثًا بيأس عن جثث أحبائه الهامدة. لا ينبغي لأي طفل أن يشعر أبدًا بأنه مهجور، وغير مرئي، لدرجة أنه يعتقد أن حياته لا قيمة لها على الإطلاق.

على حكومة المملكة المتحدة أن تفعل ما هو أفضل من هذا. يجب ألا تكون حليفًا لمزيد من الفظائع. كل لحظة تقاعس هي لحظة أخرى يتلاشى فيها الأمل. لقد سألتُ عددًا لا يُحصى من العائلات عن الرسالة التي سيوجهونها للعالم لو استطاعوا. وكان الجواب ببساطة أنهم يريدون الحياة. هذا ليس مجرد نداء استغاثة، بل هو نداء من أجل أبسط حقوق الإنسان: الحق في العيش دون خوف.

المصدر : الغارديان

ترجمة خاصة

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى