ميليشيا جيش المهدي ذراع إيران الطولى في نيجيريا

شعاع نيوز – مع تصاعد الإسلاموية في منطقة الساحل والصحراء، ظهرت في نيجيريا ميليشيا شيعية توصف إعلامياً بـ “جيش المهدي”، مرتبطة بالحركة الإسلامية في نيجيريا بقيادة الشيخ إبراهيم الزكزاكي.
نشأت هذه الجماعة المتشددة بتأثير مباشر من الثورة الإيرانية 1979؛ إذ تحول الزكزاكي من ناشط سنّي متأثر بفكر الإخوان المسلمين إلى المذهب الشيعي بعد زيارته لإيران عام 1980. فأسس الحركة الإسلامية في نيجيريا (IMN) التي اجتذبت عشرات الآلاف من الأتباع، وأصبحت كبرى الحركات الشيعية في أفريقيا.
ضمن هيكل الحركة الإسلامية، أنشأ الزكزاكي جناحاً مسلحاً غير رسمي من المتطوعين، يُدعى الحُراس، وهو بمثابة ميليشيا مدربة تؤمن له الحماية وتنشر أفكاره. وقدَّرت تقارير أنّ IMN لديها المئات من عناصر الحراسة شبه العسكرية، وتلقى بعضهم تدريبات عقائدية وربما عسكرية في إيران.
في الواقع، دأب الزكزاكي على ابتعاث أتباعه للتعليم الديني في مدينتي قُم ومشهد الإيرانيتين، حيث اكتسبوا تدريباً فكرياً وأحياناً مهارات أمنية. كما زار هو لبنان والتقى بقيادات حزب الله، وتلقى منهم رموزاً دينية مثل (راية حمراء من كربلاء أهداها له حسن نصر الله)، ممّا يؤكد عمق صلته بالمحور الإيراني. وقد وصف دبلوماسي إيراني سابق حركة الزكزاكي بأنّها “وكيل لإيران” في نيجيريا.
علاقة الميليشيا بإيران
وثقت دراسات غربية جهوداً منهجية لإيران وحزب الله لتوسيع نفوذهما في نيجيريا منذ أوائل 2010، حيث تعاون فيلق القدس الإيراني ومقاتلون من حزب الله مع عناصر من مجتمع الشيعة النيجيري، في جمع المعلومات الاستخباراتية والتهريب. وتؤكد تقارير معهد واشنطن وهوفر أنّ الزكزاكي زار طهران مراراً والتقى بالمرشد الإيراني، وتلقى دعماً مالياً ولوجستياً من مؤسسات إيرانية. في المقابل انتهج خطاباً متشدداً ضد الغرب وإسرائيل، ورفع صور الخميني وخامنئي في تجمعاته الحاشدة. كما تبنّى نهج حزب الله في المقاومة؛ إذ أشاد علناً بأمينه العام حسن نصر الله واعتبره نموذجاً للتحرر.
تستخدم إيران حركة الزكزاكي كأداة لنشر “الخُمينية” في نيجيريا، بالمقابل يحصل الزكزاكي على التدريب والدعم السياسي وربما على تدريب عسكري محدود لبعض أتباعه في معسكرات إيرانية (رغم نفيه الحصول على تسليح كبير).
يُذكر أنّ السلطات النيجيرية في 2013 ضبطت خلية مرتبطة بحزب الله في ولاية كانو وبحوزتها أسلحة، ممّا أثار مخاوف من صلات بين جماعة الزكزاكي وإيران في تهريب السلاح.
العنف كأداة وظيفية
في كانون الأول (ديسمبر) 2015 وقع صدام دموي كشف مدى توتر العلاقة بين ميليشيا الزكزاكي والجيش النيجيري. ففي أثناء مرور موكب رئيس أركان الجيش آنذاك الفريق توكور بوراتاي، قرب حسينية للشيعة في مدينة زاريا، قام أتباع الزكزاكي بعمل حاجز واحتشدوا في الطريق ضمن مراسم دينية.
لاحقاً كشف الجيش عن تدبير محاولة اغتيال لبوراتاي عبر اعتراض موكبه. وقال المتحدث العسكري إنّ المئات من الشيعة المسلحين بأسلحة بيضاء ونارية خفيفة، حاولوا قتل رئيس الأركان، ممّا اضطر الجنود لإطلاق النار دفاعاً عن النفس. وأسفر الأمر عن معركة قُتل فيها ما لا يقلّ عن (7) من أنصار الزكزاكي، ثم تطور الوضع إلى هجوم واسع على مقرات الحركة، استمر يومين وأسفر عن مئات القتلى المسلحين، حيث قُتل حوالي (300) من أعضاء الحركة وفق تحقيقات لاحقة، بينهم أبناء الزكزاكي، واعتُقل الشيخ نفسه بعد إصابته.
العمليات الإرهابية والأنشطة الأخيرة
عقب معارك العام 2015 ضعفت قدرات ميليشيا الزكزاكي بشدة بسبب حملات الجيش، ومع ذلك استمرت أنشطة مناوئة للدولة من قبل أنصار الحركة، وإن بدرجة أقلّ عن ذي قبل. وظلت IMN تنظم احتجاجات دورية خصوصاً في العاصمة أبوجا للمطالبة بإطلاق سراح الزكزاكي (الذي بقي معتقلاً حتى 2021). واتسمت هذه الاحتجاجات بالعنف؛ ففي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2018 خرجت مسيرات حاشدة لإحياء أربعينية الإمام الحسين، تخللتها مطالبات بالإفراج عن الزكزاكي. واصطدمت المسيرات مع قوات الأمن، فاستخدم الجيش الذخيرة الحية لتفريقهم، ممّا أدى إلى مقتل نحو (40) شخصاً وفق رواية الحركة (6) حسب الرواية الرسمية. واعتُقل مئات المشاركين حينها، بتهمة حيازة قنابل حارقة وأسلحة نارية.
هذه الصدامات المتكررة أكدت إصرار الدولة على منع IMN من إعادة تنظيم صفوفها عسكرياً.
وفي عام 2019 صنفت الحكومة الحركة منظمة محظورة وإرهابية، ممّا أعطى الغطاء القانوني لمواصلة تفكيك بنيتها.
في الأعوام الأخيرة تراجع زخم جيش المهدي النيجيري مع بقاء الزكزاكي قيد المحاكمة والإقامة الجبرية، حتى تم الإفراج عنه لأسباب صحية في 2021. لكنّ الفكر الذي زرعه لم ينته؛ حيث ما تزال خلايا من أنصاره تنشط سرًا، وتحاول التواصل مع إيران.
تقارير أجهزة الأمن النيجيرية ما زالت تتابع تحركات أيّ عناصر تلقت تدريباً في إيران أو لبنان. بالمقابل تركز جماعة الزكزاكي حاليًا على المطالبة بالحقوق ورفع دعاوى قضائية ضد الحكومة.
خلاصة القول، شكلت ميليشيا حركة الزكزاكي في نيجيريا امتداداً لنفوذ إيران الإقليمي، وارتبطت بحزب الله فكرياً ولوجستياً، وخاضت مواجهات دامية مع الدولة كان أبرزها محاولة اغتيال رئيس الأركان، التي انتهت بمواجهة عسكرية دامية، أمّا نشاطها الراهن، فقد أصبح محدوداً، لكنّه لم ينتهِ، حيث تتبع جماعة جيش المهدي مبدأ الكمون الاستراتيجي.
المصدر: حفريات
بقلم: الصحفي حسن خليل