امتياز قادة حماس بصناعة الوهم!

شعاع نيوز – الكاتب: موفق مطر – سيارات حديثة بيضاء، لا غبار عليها، ولا حتى خدش، تبدو خارجة من “وكالة” للتو، ومسلحون من جماعة حماس بثياب وشارات وبساطير لامعة، وحركات استعراضية على منصات، وعدسات ومخرجين وكومبارس، يأتون برهائن اسرائيليين من الجنسين، مع تركيز العناية على الشابات وابتساماتهن، وتمثيلهن الناجح في لقطات (الباي باي) وكذلك توزيعهن القبلات، وقبلة من أحد المفرج عنهم، طبعها مأمورا على رأس ملثم، قبل تسليمهم للصليب الأحمر الدولي، أما السيناريو والإخراج فمعدان سلفا، حتى اللقطات التصويرية، فإنها مثيرة بصريا، من كل الزوايا، ثم يتوارى الجميع عن الأنظار، فيسدل الستار على يوم هادئ لتأتي بعده أيام الإبادة الدموية الجماعية! وبالمقابل شباب ورجال حفاة، وجوه وأجساد بعضهم مدماة، وثيابهم إما مقطعة، أو معفرة بغبار وسخام بارود قنابل جيش الاحتلال، يمسكون بأياديهم السمراء شهيدا أو أكثر، وجريحين على عربة (كارو) يجرها حمار تبدو عليه ملامح الإنهاك، فيما الشاب ذو العزم والمروءة (قائد) هذه الوسيلة البدائية، يكافح بأقصى ما لديه من قدرة على التحكم، وبما لدى حماره من طاقة، لبلوغ بوابة طوارئ في أحد مستشفيات قطاع غزة، لإنقاذ حياة جرحى، ولنقل جثمان شهيد أو أكثر بهمة رفاقه الشجعان الى حيث يجب مواراتهم، ثم دون اكتراث لعدسات الصحفيين، وزحمة عشرات هواة التصوير لمنصاتهم على (السوشيال ميديا) حيث يرفعون لقطاتهم بدون سيناريو ولا فكرة، سوى الأجساد المخضبة بالدماء والأشلاء، ونضال أمهات –وسط الجمع- للوصول الى أحبابهن، أبنائهن الشهداء، ولو لطبع قبلة الوداع الأخيرة إلى الأبد، أو لإشعار أبنائهن الجرحى بدفء قلوبهن، ووصل الأمل بالحياة والسلامة، مع رحمة الله الى نفوسهم، فيما دموعهن تسبق دعواتهن واحتسابهن، وتهيئ لرحلة آلام بلا نهاية في الأفق!
لكن في هذه اللحظة يبدأ المشهد الثالث في التبلور، فيرى العقلاء، الفائزة قلوبهم بشهادات الأحاسيس والمشاعر الحرة المتحررة، كيف يُصنع الوهم! ولماذا؟ ومن المستهدف؟ فيبحثون، ويسألون، ثم يعيدون قراءة المشاهد مرات ومرات، علهم يكتشفون أصلا في الثقافة الإنسانية يبيحها، يحللها، يشرعها، فلا يجدون، ويفتشون في دهاليز السياسة، ويقلبون صفحات كتب التاريخ المنسية، فلا يعثرون ولو على منطق أو قانون، أو قاعدة، أو مفهوم يمكنهم من ربط المشهدين الأول والثاني ولو بشعرة، أو بخيط أرفع من خيط بيت العنكبوت!
وقبل النطق بالحكم (الخلاصة) يضعون أنفسهم في قفص الافتراض كمتهمين، بجريمة نشر الإحباط! ذلك أن مصمم ومخرج ومنفذ المشهد الأول، قصد إغراق العامة “بطوفان” وهم القوة والتنظيم والمفاجأة! حتى لو كان المشهد الثاني عين الفاجعة، ففي المشهد الأول كتبوا أضغاث أحلامهم: “نحن الطوفان واليوم التالي”.
اقرأ\ي أيضاً| جيوش مموهة بالإعلام لقصف مشروعنا الوطني
لكن في المشهد الثاني، لسان حال الضحايا المدنيين الفلسطينيين، المنكوبين، الجوعى، الجرحى، النازحين، المرضى، ينطق بروح الفصاحة والبلاغة: نحن الغرقى بدمائنا، في كل مكان تحت ركام بيوتنا، نقاوم أعاصير الإبادة الهمجية التلمودية الممنهجة، القوية بلا حدود، المخطوطة والمنظومة في برامج سفك الدماء، والقتل منذ مئة سنة وأكثر، غير المفاجئة لأحد!
فكيف يدعون بقولهم “أخطأنا التقدير”!.. فهؤلاء يعومون صورهم في بحر دمائنا، لإرضاء نفوسهم المصابة بداء انعدام المناعة الوطنية، والأحاسيس الإنسانية، وهم على؟ يقين أن القاع الذي دفعونا إليه رغما عنا، وبدون قرارنا وإرادتنا، قد امتلأ تماما وزاد بحجم ثلاث نكبات، ولا يريدون للعالم رؤية جريمة السبب (الاحتلال وشريعة الصهيونية الدينية) والمتسبب الذي منحهم الذريعة (قادة حماس وتعاميم جماعتهم الاخوانية) الذين احترفوا مهنة التضخيم، واصطناع هالات مقدسة لشخوصهم، وأعمالهم التي إذا وضعت في الميزان فإنه سينكسر من ثقل الشر فيها.
يريدون منا التصفيق والتهليل، وإعلاء زغاريد أمهات الشهداء، أثناء دفن أحبابنا، والإعجاب بمثلثاتهم الحمراء، وملثمهم بطل وسائل إعلام الخديعة والتضليل، وأخذ أحاديث وكلام ادعياء التحليل الاستراتيجي، وكأنها من أحكام التنزيل! كحقن، مخدرة لمراكزنا العصبية أثناء استئصالهم جيناتنا الإنسانية التي فطرنا عليها، لاستبدالها بجينات التبعية والقطيع! والتحول الى مبهورين بالسراب، وبانتصارات ينعتونها بالربانية تارة، والإلهية تارة اخرى، ولا يعنيهم تسلل الإحباط الى نفوسنا، من هول انتشار رائحة الموت وغبار الدمار، فهدفهم سلبنا فطرة وسنة حب الحياة والحرية والسلام وتحكيم عقولنا لرسم مسارات مستقبلنا ووجودنا.