فورين بوليسي: بنشره الفوضى في غزة ودعمه عصابات النهب والإجرام عَبَّد نتنياهو الطريق أمام التطهير العرقي للفلسطينيين

شعاع نيوز_نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً لروب غيس بينفورد، أستاذ العلاقات الدولية في كينغز كوليدج، جامعة لندن، قال فيه إن إسرائيل تقوم ببث الفوضى لتأمين تشريد الفلسطينيين من غزة. ومن خلال تحويل القطاع إلى أرض غير صالحة للحياة، يهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وضع الأسس لعملية تطهير عرقي.
وجاء في مقالته أن نتنياهو تحدث مع الصحافيين في البيت الأبيض قائلاً: “نعمل مع الولايات المتحدة بشكل وثيق” للعثور على دول “تمنح الفلسطينيين مستقبلاً أفضل”. وقال: “لو رغب الناس بالبقاء، فيمكنهم ذلك، ولكن لو أرادوا المغادرة فيجب أن يكونوا قادرين على عمل هذا”.

وقال الكاتب إن دعوة نتنياهو الفلسطينيين للمغادرة تتناسب مع سلسلة من السياسات التي جعلت غزة غير قابلة للحكم والحياة. ووسط الحديث المتجدد عن وقف إطلاق النار والهزيمة الدائمة لـ”حماس”، فالحقيقة هي أن نتنياهو أطال أمد النزاع ومنع ظهور بديل موثوق به عن “حماس”.
وفي حزيران/يونيو، انتقد سياسيون معارضون إسرائيليون محاولات نتنياهو تسليح وتجهيز الميليشيات المناهضة لـ”حماس” في غزة. كما أدان المنتقدون استخدام إسرائيل لـ “مؤسسة غزة الإنسانية” لإيصال المساعدات داخل القطاع. وبالفعل، كانت نتائج هذه السياسات كارثية.
فعلى مدار الشهر الماضي، قتلت القوات التابعة لإسرائيل ما يقرب من 600 فلسطينياً كانوا ينتظرون في طوابير للحصول على المساعدات، في أحدث تجليات دوامة الموت في القطاع. وفي الظاهر، تبدو سياسة دعم إسرائيل للعصابات الإجرامية وعمليات التوزيع للمساعدات الفاشلة وكأنهما منفصلتان عن بعضهما البعض، مع أنهما جزء من مشكلة أوسع: وهي أن سياسات إسرائيل تظل قصيرة الأمد وعاجزة طالما لم تقدم خطة واضحة لليوم التالي ما بعد الحرب. ولو كان هدف نتنياهو زيادة الفوضى والمعاناة في القطاع لنقطة لا يجد فيها السكان خياراً إلا الهجرة “الطوعية”، فقد نجح في مسعاه.

ويقول الكاتب إن أفضل دليل على سعي السياسة الإسرائيلية لإدامة الفوضى، بدلاً من تمكين قيادة جديدة “بعيدة عن التطرف” في غزة، يكمن في الجهات الفلسطينية التي تتعاون معها إسرائيل.
فقد أكد نتنياهو مؤخراً أن إسرائيل سلّحت “جهازاً فلسطينياً لمكافحة الإرهاب”، بقيادة ياسر أبو شباب. ورد نتنياهو بلا مبالاة على أسئلة حول هذه السياسة، مدعياً: “لقد فعّلنا فصائل في غزة تعارض حماس، ما الخطأ في ذلك؟”. وفي الحقيقة، هناك الكثير من الأمور الخطأ، أولاً،

فميليشيا أبو شباب ليست عشيرة، فهي عصابة مكونة بشكل رئيسي من عناصر منبوذة من عائلات ممتدة في غزة، التي غالباً ما تسمى عشائر. وكثيرون منهم منبوذون لسبب وجيه، فقبل فرار أبو شباب من السجن، أواخر عام 2025، كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة خمسة وعشرين عاماً بتهمة الاتجار بالمخدرات. وقد تبرأت منه عائلته.

ثانياً، يكذب ماضيه المشبوه ادعاء أبو شباب بأن جماعته تعمل على حماية قوافل المساعدات من النهب. فقد سرقت عصابته المدنيين الفلسطينيين في شوارع غزة التي لا قانون فيها، كما هاجموا بشكل منتظم قوافل الإغاثة الإنسانية. وتكشف ممارسة هذه الجماعة أعمالها في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية من غزة، تحت أعين قوات الجيش الإسرائيلي، تواطؤ تل أبيب.
ووفقاً لموظف إغاثة كبير يعمل في غزة منذ أكثر من عام، والذي تحدث مع الكاتب دون الكشف عن هويته، كانت إسرائيل تتجاهل عناصر أبو شباب، بينما تتخذ إجراءات ضد كل من شرطة “حماس” والقوات التابعة للعشائر التي تسعى إلى إيقافها. وقد أكد ذلك دبلوماسي فلسطيني من غزة.
ولم تكتفِ إسرائيل بغض النظر عن النشاطات الإجرامية هذه، بل ودعمتها. وفي أيار/مايو، اتهم مسؤولون في الأمم المتحدة إسرائيل بتوجيه قوافل مساعداتها عبر مناطق في غزة، حيث كانت عناصر أبو شباب تتربص بها لنصب كمين لها.
ونقل الكاتب عن عامل الإغاثة: “لقد حضرت اجتماعات مع كبار الضباط العسكريين الإسرائيليين، الذين أخبرونا بضرورة “التعاون” مع العصابات، أي إما أن ندفع لهم أو نسمح لهم بسرقة بعض المساعدات”.
ومن الطرق الأخرى التي دعمت فيها إسرائيل عصابات غزة الإجرامية كانت في تهريب السجائر. وبالتعاون مع معارف في مصر، خبأت العصابات علب السجائر في قوافل المساعدات. وعلى حدود غزة، تجاهلت أنظمة مراقبة المساعدات الإسرائيلية السجائر، وبمجرد وصول القوافل إلى غزة، كانت الميليشيات والعصابات المدعومة من إسرائيل تنهبها وتسرق السجائر وتبيعها في السوق السوداء بـ 200 دولار للعلبة.
وتؤكد هذه النشاطات أن عصابة أبو شباب لا تنوي أن تكون بديلاً عن “حماس” كحزب حاكم في غزة، فهي تفتقر إلى القدرة على ذلك: قد تكون العصابة سيئة السمعة، لكنها قوة صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها 300 رجل.
كما أن التعاون مع إسرائيل وسرقة المساعدات، ونهب أموال الفلسطينيين في غزة لم يقرب عناصرها إلى قلوب سكان القطاع. وكما يقول عامل الإغاثة: “لقد مكنت إسرائيل الناس المكروهين جداً في غزة، أكثر من حماس وإسرائيل”. وزعم الدبلوماسي الفلسطيني: “حماس مكروهة في غزة. لكنها على الأقل تحافظ على القانون والنظام”.
وفي أيار/مايو، تباهى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قائلاً: “نقوم بسحق وزراء وبيروقراطيي” حماس. لكن بدلاً من البحث عن بديل، قامت إسرائيل بدعم البلطجية الذين لا يهتمون بالحكم، فهم ليسوا بديلاً سيئاً عن “حماس”، بل ليسوا بديلاً على الإطلاق.
وعندما يُخيّر الفلسطينيون بين الفوضى وشبه النظام في ظل “حماس”، فلا عجب أن يختاروا الخيار الثاني. وباختصار، لم تخفف إسرائيل من الفوضى في غزة، بل فاقمتها. ويبدو هذا متعمداً بشكل متزايد، نظراً لتزايد عدد العصابات الإجرامية المسلحة التي تتلقى الدعم الإسرائيلي.
بدورها، أنشأت “حماس” ميليشياتها الخاصة بملابس مدنية، ظاهرياً لمحاربة العصابات الإجرامية. والنتيجة هي الفوضى؛ بلطجية يتقاتلون على المساعدات، وبالتالي على السلطة على المدنيين في غزة. وكما زعم أحد سكان غزة: “لم أعد أعرف من ينتمي إلى عشيرة، ومن هو المجرم، ومن هو حماس”.
وإلى جانب تعاونها مع عصابة أبو شباب، يشير عمل إسرائيل مع مؤسسة غزة الإنسانية إلى التزامها بإبقاء القطاع غير صالح للعيش.
وقد تعهدت المؤسسة، وهي منظمة غير حكومية ذات أصول غامضة، ويبدو أنها تتلقى تمويلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، بتنظيم إيصال المساعدات إلى غزة، والأهم من ذلك، منع “حماس” أو غيرها من الجماعات من نهبها وبيعها لتحقيق الربح، كما زعمت إسرائيل عندما قررت تقديم المؤسسة كبديل عن آليات الأمم المتحدة.
وعملت المؤسسة مع إسرائيل لتقييد وصول المساعدات إلى عدة مواقع.
وكان من المفترض أن تخضع هذه المواقع لتأمين مشدد من قبل الجيش الإسرائيلي والمتعاقدين الأجانب للحفاظ على السلام. ومن المفترض أن يستخدم موظفو المؤسسة أجهزة التعرف على الوجه في الموقع لتصفية أي عضو من “حماس”، أو أي جماعات أخرى مدرجة على القائمة السوداء الإسرائيلية. كما سيضمن ذلك أن المؤسسة ستقدم لكل مستفيد فقط المبلغ اللازم من المساعدات، ما يمنع بيعها في السوق السوداء.
ولم يحدث أيٌّ من هذا، فمراكز التوزيع بدون موظفين وتعاني من أعباء كثيرة. وتطلق القوات الإسرائيلية الذخيرة الحية باستمرار، بما في ذلك قذائف الهاون والرشاشات، لإبعاد طالبي المساعدة. ولا يمكنهم الاقتراب إلا عندما يتوقف إطلاق النار.

ووصف جندي إسرائيلي المواقع بأنها “ساحة قتل، وسيلتنا للتواصل هي إطلاق النار”. ولم تفشل المواقع في منع العصابات من نهب المساعدات فحسب، بل إنها أيضاً رسخت هذه الممارسة. إلى جانب القوات الإسرائيلية والمتعاقدين الأمريكيين، تحرس عصابات غزة المواقع، بما في ذلك جماعة أبو شباب. ووفقاً للدبلوماسي الفلسطيني، فإن هؤلاء الأفراد هم أول من يحصل على المساعدات، ما يسمح لهم “بأخذ أغلى المواد، مثل الدقيق والسكر، لبيعها في السوق السوداء”. وفقط عندما تغادر هذه الجماعات يمكن للمدنيين الدخول. وهذا يفسر سبب انتشار بضائع “مؤسسة غزة الإنسانية” الآن في أكشاك الأسواق في جميع أنحاء القطاع.
ثم هناك المشاكل اللوجستية، فمخزون المؤسسة يكفي لإطعام أقل من نصف سكان غزة. ومع ذلك، يبقى تحقيق ذلك مشكوكاً فيه: فبينما كانت الأمم المتحدة تدير حوالي 400 موقع إغاثة في أنحاء القطاع، لا تملك المؤسسة سوى أربعة مواقع فقط. تقع ثلاثة من هذه المواقع على الحدود مع شبه جزيرة سيناء، وهي أرض مصرية لطالما ألمح المسؤولون الإسرائيليون إلى إمكانية طرد الفلسطينيين إليها.
وتقع المواقع الأربعة جميعها في مناطق إخلاء محظورة تنصح إسرائيل الفلسطينيين بعدم دخولها.
وقد كانت جميع هذه المشاكل متوقعة بسهولة، إلا أن عدم تحرك إسرائيل لمنعها يشير إما إلى عجز لا يُصدق، أو إلى تخطيط متعمد.
ويعلق الكاتب أن هذا هو السياق المطلوب لفهم دعم إسرائيل المتزايد للعصابات المسلحة وبرنامجها الكارثي لتوزيع المساعدات. يمكنها تقديم المساعدة على الورق، بينما تجعل استلامها مسعى يهدد الحياة عملياً. ويمكنها الادعاء بتمكين جهات فاعلة غير تابعة لـ “حماس”، حتى وإن كان ذلك في الواقع يعزز دعم “حماس”.
والحقيقة غائبة عن الأنظار، فعملية إسرائيل الأخيرة في غزة، “عربات جدعون”، تدعو إلى زيادة وتوسيع الوجود العسكري الإسرائيلي بشكل كبير في جميع أنحاء غزة، مع نقل سكان القطاع جنوباً نحو الحدود المصرية. والآن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه سيتم نقل سكان القطاع إلى “مدينة إنسانية”، معرباً عن دعمه لـ”خطة هجرة” أوسع نطاقاً.
هذا هو “اليوم التالي” الذي تقترحه إسرائيل لغزة. وبغض النظر عن اتفاقيات وقف إطلاق النار التي ستناقش أو تُوقّع في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، فإن سياسات نتنياهو قد مهدت الطريق بالفعل للتهجير القسري لسكان غزة.

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى