مقالات

“تساهل” خرج من جنين ومخيمها يلعق جراحه

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – دخول جنين ومخيمها لم يعد كالخروج منهما، لم يعد الدخول مجرد نزهة فقد خرج “تساهل”، جيش الحرب الإسرائيلي، وهو يلعق جراحه جارا خلفة آلياته وناقلة الجنود “النمر” كخردة، بالإضافة لاعترافه بإصابة إحدى طائراته المروحية “أباتشي”. لقد كان خروجا مذلا، والإذلال جاء من شباب فلسطينيين لا يملكون أي قدرات عسكرية سوى إرادتهم وإبداعهم الذاتي في اختراع أسلحتهم وأساليبهم القتالية. عدة آليات أعطبت وجرح 9 جنود، وكما أشير أعطبت الأباتشي، التي زج بها في المعركة للمساعدة في إخراج جرحاهم وخردة آلياتهم فأعطبت هي أيضا.

صحيح أن الثمن كان باهظا، ستة شهداء شباب من بينهم طفل عمره 15 عاما، وأكثر من 90 جريحا، إلا أن تساهل من الآن وصاعدا سيفكر مئة مرة قبل أن يدخل مدينة جنين ومخيمها. وربما بالمستقبل سيحتاج إلى الدبابات للدخول، ومع كل تصعيد إسرائيلي سيقابله إبداع فلسطيني للرد والدفاع عن النفس. وتاريخيا لجيش الاحتلال تجربة مريرة مع مخيم جنين، هذا المخيم الذي خرج كبار القادة الميدانيين والسياسيين، وفي مقدمتهم الأسير زكريا الزبيدي.

في عام 2002 أثناء الاجتياح الكامل للضفة بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أريئيل شارون، الذي أطلق عليه “عملية السور الواقي”، واجه شباب مخيم جنين اجتياح مخيمهم ببسالة، واضطر جيش الاحتلال إلى خوض معركة شرسة في أزقة المخيم الضيقة من منزل إلى منزل. وارتكب المذابح، لكن شباب المخيم واجهوه بشجاعة وقتلواأكثر من 24 جنديا وضابطا منهم 14 بيوم واحد. ومنذ ذلك اليوم الملحمي ومخيم جنين يشعر بالثقة بالنفس ويقاتل ويجسر على مواجهة أقوى آلة عسكرية في الشرق الأوسط، وأمس الأول وضع المخيم نجمة جديدة له في سماء فلسطين وتاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني الذي لن يتوقف إلا بزوال هذا الاحتلال.

دولة الاحتلال في حيرة من أمرها، فهي إن ذهبت لاجتياح كبير ستواجه معارضة أميركية، فلطالما دعت واشنطن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لعدم التصعيد قي الضفة وفي أي مكان آخر، فهي، أي الولايات المتحدة الأميركية منهمكة بصراعات أكبر وأهم، ولا تريد أن ينحرف تركيزها عنها. لذلك إن بدأت إسرائيل اجتياحا كبيرا لن تستطيع الاستمرار به لأكثر من أيام قليلة، وهي مدة لن تكسر ظهر المقاومة الفلسطينية وربما على العكس ستقوي من عود أساليبها القتالية.

حتى اللحظة لا يمكن أن يتفاخر جيش الاحتلال بأنه حقق إنجازا في جنين ومخيمها، فالشباب يزدادون قوة وشكيمة وجرأة على المواجهة. وفي كل مرة يمكن ببساطة لمس مدى قدرتهم على تطوير أساليبهم القتالية، وضمن هذه المعادلة فإن جيش الاحتلال يبدو أنه هو الطرف الخاسر. وفي الجانب الفلسطيني نحتاج إلى أن نتوحد خلف هذه الإنجازات، وبالمقابل أن يحافظ الشباب المقاومون على أهدافهم الوطنية وألا تتزحزح بوصلتهم عن وطنيتهم وأهداف شعبهم، لأن مثل هذا التطور ينتظره الاحتلال الإسرائيلي بفارغ الصبر.

كان الحزن على الشهداء والجرحى مخيما في جنين ومخيمها، لكن عزاء الجميع هو المشهد الذي خرج فيه جيش الاحتلال من المنطقة، وهو مشهد لم نره منذ فترة طويلة. ومن دون أن نبالغ فإن ما جرى كان جيدا، لكن علينا أن نعتبره مجرد بداية يمكن أن يبنى عليها، وبقدر ما نلحق بالعدو الإسرائيلي خسائر وتكون خسائرنا أقل نكون قد اقتربنا أكثر من لحظة النصر.

ولعل الإنجاز الأهم هو في تلك التكاملية بين الفعل المقاوم على الأرض والعمل السياسي والدبلوماسي، فهذان الخطان يجب أن يسيرا معا يدعم كل منهما الآخر، في السياسة نحن ضحية الاحتلال والعدوان، وفي المقاومة نظهر إرادتنا الصلبة في المواجهة، ضمن هذه المعادلة يمكن أن نحقق المكاسب، بشرط أن نكون جميعا منخرطين بالمشروع الوطني ذاته ويكون كفاحنا بشقيه السياسي والمقاوم يسعيان للأهداف ذاتها وإلا ستكون الجهود والتضحيات بلا جدوى حقيقية.

من حق جنين ومخيمها أن يشعرا بالفخر، والشعب الفلسطيني كله يشعر بالفخر، لكن المهم أن نكون جميعا ننشد النشيد ذاته ونسعى لتحقيق الأهداف ذاتها.


اقرأ|ي أيضاً| مطالبات حقوقية للتحقيق في استخدام جيش الاحتلال أسلحة أمريكية في جنين

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى