الدعوة الفردية.. بوابة الإخوان لاختراق المجتمع

شعاع نيوز – مع استمرار حالة الضعف التي تعيشها جماعة الإخوان منذ أعوام بسبب الانقسامات الداخلية والإجراءات الأمنية، قد يبدو الحديث عن موضوع الاستقطاب والتجنيد من جانب الجماعة غريباً لدى البعض ممّن يرون أنّها انتهت أو على الأقل لم تعد لديها القدرة على ضم أعضاء جدد في الفترة الراهنة، لكن في واقع الأمر هناك العديد من المبررات تجعل تناول هذه المسألة موضوعاً ذا جدوى؛ فمن ناحية فإنّها تساعد على فهم مدى التأثير الذي استطاعت الجماعة فعله خلال الأعوام الطويلة الماضية منذ تأسيسها، وحجم الانتشار في دوائر وشرائح كثيرة داخل المجتمع عبر أسلوبين تطلق على الأول منه “الربط العام”، والآخر “الدعوة الفردية”، وكيف استطاعت الجماعة من خلال هذين الأسلوبين التغلغل في المجتمع وإيجاد قاعدة شعبية غير قليلة ولا هينة من الأعضاء والمؤيدين والمتعاطفين والمؤمنين بالأفكار والتوجهات نفسها دون أن يكونوا أعضاء بالجماعة، ومن ناحية أخرى فإنّ الجزء الأكبر من هيكل الجماعة التنظيمي ما يزال موجوداً داخل مصر، إذا ما قارناه بمن في السجون أو بمن خرجوا إلى دول أخرى، ومن الممكن أن تتم عملية الاستقطاب والانتشار داخل مصر ولو على نطاق ضيق أو بوسائل أقلّ وضوحاً وعلانية. كما أنّ مسألة الاستقطاب من الممكن أن تتم خارج مصر كنوع من الاستعداد لاستئناف العمل، وما زالت الجماعة حتى اللحظة تنشر عبر مواقعها الإلكترونية المختلفة مواد تتناول مسألة الدعوة الفردية والتربية بأساليب الماضي نفسها.

مسارات عمل الجماعة

على الرغم من أهمية التنظيم لدى الجماعة، وأنّه يمثل بالنسبة إليها الأداة الرئيسية التي تعتمد عليها في تحقيق أهدافها، إلا أنّها لا تسعى فقط إلى التجنيد وضم أعضاء جدد لديها، حيث إنّها تدرك أوّلاً عدم قدرتها على ضم نسبة كبيرة من الأفراد في المجتمع إليها لأسباب عديدة، كما أنّها تدرك أهمية أن يكون لها قاعدة شعبية من غير المنتمين إليها بشكل رسمي مؤيدة لأفكارها ومؤمنة بقناعتها ولو بدرجة أقلّ من الأعضاء، ولذلك تعمل الجماعة من خلال مسارين رئيسيين؛ الأوّل هو مسار “الربط العام”، والثاني هو مسار “الدعوة الفردية”.

وتستهدف الجماعة من خلال مسار الربط العام الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمع من كل الفئات، وتقوم بالعديد من الأنشطة في هذا الإطار من خلال العديد من الأماكن والمؤسسات الحكومية والخاصة كل حسب النشاط الملائم له، مثل المساجد والمدارس والجمعيات ومراكز الشباب والمصالح الحكومية والشارع ومراكز الدروس الخصوصية… إلخ، وهي تستهدف بتلك الأنشطة نشر أفكار وقيم الجماعة داخل تلك الفئات وتكوين قاعدة اجتماعية وحاضنة شعبية تكون مؤيدة لها ومتبنية لمواقفها وداعمة في المواقف المختلفة، وأيضاً التعرف من خلالها على الأفراد الذين من بينهم تختار من يصلح لعضوية الجماعة فيما بعد.

أمّا مسار الدعوة الفردية، فهو الوسيلة الأساسية التي من خلالها تقوم الجماعة باختيار الأفراد الذين يصلحون لأن يكونوا أعضاء فيها وفق المعايير والشروط الموضوعة مسبقاً من جانبها، فمن خلال النشاط العام تبدأ الجماعة عبر أعضائها من اللجان الإدارية المختلفة (كالأشبال، الثانوي، الجامعة، العمال، المهنيين، الأخوات…) في اختيار الأفراد الذين تنطبق عليهم المعايير والأولويات التي وضعتها الجماعة، ثم ضمهم في مرحلة تمهيدية بهدف إعدادهم وتأهيلهم تربوياً وحركياً من خلال العديد من الوسائل والمناهج التربوية.

ويُعدّ أسلوب الدعوة الفردية من الأمور التي تتميز بها جماعة الإخوان عن غيرها، وتعتبره الوسيلة الوحيدة للاستقطاب وضم الأفراد، ولذلك فهي توليه اهتماماً كبيراً وتدرب أفرادها عليه بشكل مستمر، وقد كتب العديد من قيادات ومنظري الجماعة حول هذا الأسلوب وشرحوه بشكل نظري مثل كتاب “الدعوة الفردية” لمصطفى مشهور، وكتاب “أصول الدعوة” لعبد الكريم زيدان، كذلك تناوله البنا في “رسالة المؤتمر الخامس” عندما تحدث عن مراحل الدعوة؛ وهي: التعريف والتكوين والتنفيذ، وبجانب ذلك هناك بعض الكتب التي وضعت برامج عملية لتنفيذ هذا الأسلوب، والتي يتم تدريسها لأفراد الجماعة حيث يتعلم منه الفرد ويكتسب مهارات الدعوة الفردية.

ووفق رؤية الجماعة فإنّ ذلك الأسلوب هو الأفضل، لأنّه يمكن القيام به في أيّ وقت وفي أيّ مكان، فهو يتم بشكل سرّي دون لفت الانتباه، ممّا يسهل القيام به في فترات التضييق على الجماعة، ويستطيع القيام به كل أفراد الجماعة مهما كانت مؤهلاتهم وإمكاناتهم، فهو لا يحتاج إلى مهارات أو إمكانات علمية أو فكرية أو خطابية، كما يعتمد هذا الأسلوب على إقامة علاقة شخصية بالشخص المدعو، ممّا يسهل جذبه ويسهل كذلك معرفة سماته الشخصية وطريقة تفكيره وكل المعلومات اللازمة عنه، ممّا يمنح الجماعة قدرة على تقييمه بشكل جيد وتقرير مدى صلاحيته لأن يكون عضواً بها، كما أنّ هذا الأسلوب يمنح الجماعة فرصة للنمو العددي على صورة متوالية عددية، فلو أنّ كل فرد تم تكليفه بضم فردين لتضاعف العدد بشكل مستمر وسريع.

وتعمل الجماعة في إطار تدريب الفرد على مهارات الدعوة الفردية على إكسابه العديد من السمات والسلوكيات التي تساعده على ذلك، فيما يتعلق بأسلوب حديثه ومظهره وطريقة تواصله مع المدعوين، فتحثه على الابتسام والتواصل المستمر والزيارات والذوق في الحديث وتقديم المساعدة للمدعو في أيّ أمر.


اقرأ|ي أيضاً| جماعة الإخوان المسلمين أكبر كيان انتهازي في العالم


دلالات ونتائج أسلوب الدعوة الفردية

– هناك كثير من الناس ممّن لا يدركون أسلوب عمل الجماعة يعملون على تقييمها بشكل نسبي، بمعنى أنّهم يرونها جماعة تقوم بدور دعوي وخيري وخدمي، وأنّ هذا يُعدّ من إنجازاتها ومحاسنها، حتى ولو فيها بعض العيوب والأخطاء الأخرى، وهذا تقييم خاطئ؛ حيث يتبين من أسلوب الجماعة في الدعوة الفردية أنّ تلك الأنشطة المختلفة إنّما هي وسيلة لاستقطاب وضم الأفراد للتنظيم وليست مقصودة لذاتها بشكل أساسي، والجماعة توضح ذلك للأفراد بعد المرحلة التمهيدية بأنّ الهدف من تلك الأعمال ليس هو الوظيفة الخدمية أو الخيرية بالأساس، ولكنّ الهدف الرئيسي هو ضمّ أفراد جدد للجماعة وهو ما تُسمّيه “المردود الدعوي”، والغموض في هذا الأمر هو ما يمنح الجماعة تعاطفاً من تلك الشريحة من المجتمع.

– يتسبب هذا الغموض كذلك في وقوع شريحة من المجتمع في خديعة فيما يتعلق بنظرتهم لأفراد الجماعة الذين يرونهم ودودين لطفاء يضحون بوقتهم من أجل الناس، دون أن يدركوا أنّ تلك السمات الشخصية والمعاملة الحسنة والتواصل الجيد من جانب أفراد الجماعة ليست دالة بالضرورة على تمتعهم بدرجة من الأخلاق الحسنة أو هي انعكاس لسمات أصيلة فيهم، لكنّها بالأساس تُعدّ من مستلزمات الدور ومن مهام الوظيفة التي يؤدونها، والتي قامت الجماعة بتدريبهم عليها بشكل أشبه بتدريب مجموعة من موظفي خدمة العملاء أو مندوبي المبيعات على فنون البيع وتقديم الخدمات والتعامل مع الزبائن، وهذا أيضاً من أسباب التعاطف مع الأفراد.

– كذلك فإنّ هذا الأسلوب يخلق لدى الأفراد نوعاً من النفاق يراه البعض من الناس ممّن هم خارج الجماعة، وهو من أبرز أوجه الانتقاد التي كانت توجه إليهم.

– يظن الكثير من الأفراد المدعوين أنّ ما تقوم به الجماعة في المرحلة التمهيدية من حث على الطاعات إنّما هو دور الجماعة الأصيل، وأنّها ربما تخطئ في جانب آخر وهو الجانب السياسي، ولا يدركون أنّ هذا هو الدور الأساسي، وأنّ الدور الأول إنّما هو مرحلة تمهيدية له.

– تحت شعار “أصلح نفسك، وادعُ غيرك” تحث الجماعة كل الأفراد، حتى الذين ما يزالون في مرحلة الاستقطاب بضم أكبر عدد من الأفراد قدر الإمكان، فهي تهتم بأن يضم التنظيم أكبر عدد من الأفراد الذين يدينون بالسمع والطاعة دون الاهتمام بأخلاقهم أو سلوكياتهم أو تربيتهم بشكل سوي، ممّا تنشأ معه أجيال لديها عاطفة قوية وانتماء للجماعة يطغى على أيّ شيء آخر، وبها العديد من العيوب والتشوهات.

المصدر: حفريات

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى