إنشاء تحالف أوروبي قوي.. ماكرون في بريطانيا لإنهاء “كابوس بريكست”

شعاع نيوز_يحلّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الأسبوع في عربة ملكية مزينة بالخيول نحو قلعة وندسور، حاملًا معه إنجازًا دبلوماسيًا استثنائيًا، وهو إنهاء “كابوس بريكست” الذي دمّر العلاقات الفرنسية البريطانية لسنوات، وإرساء أسس تحالف أوروبي قوي في مواجهة التحديات الجيوسياسية الراهنة من موسكو إلى واشنطن.

رحلة الألف ميل تبدأ بخمس زيارات

منذ وصول كير ستارمر إلى داوننج ستريت، سافر رئيس الوزراء البريطاني إلى فرنسا خمس مرات، بينما بادله ماكرون الزيارات في الاتجاه المعاكس عدة مرات أيضًا، وفقًا لصحيفة “ذا جارديان” البريطانية.

هذا التبادل الدبلوماسي المكثف يعكس حرص الجانبين على “المضي قدمًا” بعيدًا عن الفصل “الكابوسي” في العلاقات عبر القناة الإنجليزية.

تؤكد المصادر الفرنسية لصحيفة “لوموند” الفرنسية أن “المصالح المشتركة” بين البلدين هي ما يهم الآن، مشيدة بالعلاقة “الأساسية” بين فرنسا وبريطانيا على الساحة الدولية، وتصف مصادر بريطانية هذا التجدد في الروابط عبر القناة بأنه “حيوي” في المشهد الدولي الراهن.

من “دونيه موا أون بريك” إلى الاحتفاء الملكي

شهدت العلاقات الفرنسية البريطانية أحلك فتراتها في عهد بوريس جونسون، الذي استخدم “فرنسية” ركيكة ليقول لباريس”donnez-moi un break” (امنحوني استراحة).

وتصف “ذا جارديان” جونسون بأنه كان “شعبويًا منخرطًا في مهاجمة فرنسا باستمرار” لتخدير الناخبين البريطانيين حيال تأثيرات بريكست المؤلمة.

تفاقمت الأزمة مع نزاعات مريرة حول عقود الغواصات مع أستراليا وحقوق الصيد، بينما وصل التوتر ذروته مع ليز تراس، التي رفضت تعمدًا تصنيف ماكرون كصديق أو عدو أثناء حملتها لقيادة حزب المحافظين.

اليوم، يحتفي ماكرون بكونه أول زعيم أوروبي يحظى بزيارة رسمية مليئة بالأبهة إلى بريطانيا منذ بريكست، متفوقًا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحصول على هذا الشرف من الملك تشارلز الثالث.

تحالف الراغبين

تكتسب الوحدة الفرنسية البريطانية القوية أهمية خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا وأزمة الشرق الأوسط، و”عدم القدرة على التنبؤ” بتصرفات الرئيس الأمريكي، حسب “ذا جارديان”.

لندن وباريس تقودان “تحالف الراغبين” في دعم أوكرانيا، بينما تستمر روابطهما الثنائية في مجال الأمن والدفاع دون عوائق رغم بريكست.

يقول سيباستيان مايلارد، المستشار الخاص لمعهد جاك ديلور: “المشهد الجيوسياسي قد تغير وجعل الأمر أكثر إلحاحًا للطرفين للتصالح”.

ويضيف أن البلدين، كعضوين دائمين في مجلس الأمن، وبامتلاكهما رادعًا نوويًا ونفس المستوى من النفوذ الدبلوماسي والعسكري، يتشبثان بـ”نظام قائم على القانون الدولي”.

التوترات الخفية

رغم الانسجام الظاهري، تكشف صحيفة “بوليتيكو” عن “شروخ” بدأت تظهر في العلاقة بين ستارمر وماكرون، خاصة حول كيفية التعامل مع ترامب “المتقلب”.

يقول دبلوماسي بريطاني سابق لـ”بوليتيكو”: “كان هناك قرار تكتيكي واضح من داوننج ستريت بإجراء المحادثات الصعبة بشكل خاص، وهذا ليس أسلوب ماكرون كثيرًا”. بينما يصف أكاديمي فرنسي مقرب من ماكرون ستارمر بأنه “أكثر حذرًا” في التعامل مع البيت الأبيض.

أظهر ماكرون استعدادًا أكبر لتحدي ترامب، بزيارته جرينلاند تضامنًا معها، وإثارة غضب الرئيس الأمريكي باقتراحه أن ترامب غادر قمة السبع مبكرًا للتفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.

الخلاف حول الرسوم الجمركية والموقف الأوروبي الموحد

يُعتقد أن ماكرون غير راضٍ عن الاتفاق الذي وقعه ستارمر مع ترامب لتخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع البريطانية، بينما تبقى فرنسا خاضعة للعقوبات المفروضة على الاتحاد الأوروبي، وفقًا لـ”بوليتيكو”.

يشير فرانسوا جوزيف شيشان، الدبلوماسي الفرنسي السابق: “ما زالت هناك تفاصيل للتفاوض” حول الاتفاق البريطاني الأمريكي، متوقعًا أن “يضغط ماكرون على ستارمر عدم قبول كل مطالب ترامب وتقديم جبهة أوروبية موحدة”.

تحدي الهجرة

تبقى مأساة الهجرة غير الشرعية عبر القناة الإنجليزية التحدي الأكبر أمام العلاقات الفرنسية البريطانية، إذ إنه بالرغم من التمويل البريطاني المشترك والتعاون مع الشرطة الفرنسية، وصل حوالي 20 ألف شخص إلى بريطانيا عبر القوارب الصغيرة هذا العام، بزيادة 50% عن نفس الفترة من 2024، حسب “ذا جارديان”.

قتل 17 شخصًا على الأقل هذا العام محاولين عبور القناة، بعد رقم قياسي بلغ 78 وفاة العام الماضي، كما تدرس فرنسا السماح للشرطة بإيقاف القوارب المتجهة لبريطانيا في مياهها الساحلية الضحلة حتى 300 متر من الساحل، لكن هذا يتطلب قرارًا قانونيًا من السلطات البحرية.

“قمة مصالحة” تعيد تشكيل أوروبا

يصف “شيشان” القمة المرتقبة بأنها “قمة مصالحة”، بينما يؤكد كريستيان ليكيسن، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس، أن “فرنسا هضمت أخيرًا بريكست بعد وقت طويل، والذي واجهت صعوبة في بلعه وكانت محبطة بشأنه”.

وتوضح “بوليتيكو” أنه بالرغم من “التوترات العابرة” كما يصفها السفير البريطاني السابق لدى فرنسا بيتر ريكيتس، فإن الصورة الكبيرة تظهر “تحسنًا حقيقيًا هائلًا في العلاقة منذ الأيام الصعبة” لجونسون وتراس، وأن هذا التحالف المتجدد يرسل إشارة واضحة للكرملين والبيت الأبيض بأن القيم والمبادئ الأساسية “متشاركة بعمق” بين البلدين في الدفاع عن أوكرانيا والقارة الأوروبية.

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى