مقالات

صلاح خلف (أبو إياد) الفدائي الفيلسوف

شعاع نيوز الكاتب: موفق مطر – يعتبر المناضل الوطني القائد صلاح مصباح خلف (أبو إياد) في قاموس الوطنية الفلسطينية، أحد أهراماتها المميزة، حيث بوجهه الأول نقاء الانتماء والانتصار لفلسطين الوطن، وفي الوجه الثاني عظيم العطاء والتضحية، وفي الوجه الثالث استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، والتبعية الموؤودة باعتبارها خيانة وكفراً بإرادة الشعب، وفي الوجه الرابع والأخير سياسة منهجها الفكر الثوري، المنبثق من عقيدة الوحدة الوطنية، أما قاعدة هذا الهرم الفلسطيني الخالد، فهي الفلسفة الإنسانية للثورة، العاكسة لإرث الشعب الفلسطيني الحضاري، والمبادئ والقيم الأخلاقية الضابطة والناظمة لسلوك المناضل.

لم يكن الفتى الفلسطيني اليافاوي صلاح مصباح خلف الذي تدرب على نموذج بندقية نحتت من الخشب في صفوف (النجادة) ليقبل جرائم وإرهاب التنظيمات والجماعات الصهيونية المسلحة المتمتعة آنذاك بحماية قوات الاحتلال البريطاني، التي اعتقلته عام 1945 وهو في سن الثانية عشرة بسبب نشاطه، ولم يكن ليقبل ويسلم بواقع البندقية الخشب بسبب مؤامرة منع الحقيقة عن الثوار الفلسطينيين، فكان واحدا من المناضلين الفدائيين الذين أسسوا نواة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وأطلقوا الثورة الفلسطينية ببنادق حقيقية، لم تضل بوصلتها يوما، ولم تنحرف فوهاتها عن وجهتها الثابتة، فالفيلسوف- كما وصفه الصحفي الفرنسي إريك لورو- لا يرى تناقضا قد يتقدم على التناقض الرئيسي مع المشروع الاستعماري (منظومة الاحتلال الصهيوني الاستعماري العنصري المسماة إسرائيل).

يشهد قادة ومناضلو حركة التحرر الوطنية الفلسطينية لصلاح خلف (أبو إياد) بشجاعته، ونظره الثاقب، ورؤيته السياسية بعيدة المدى، وإقدامه على طرح أفكار خلاقة لم يكن سهلا على قائد في حركة التحرر الفلسطينية طرحها، ومنها على سبيل المثال فكرة قيام دولة فلسطينية ديمقراطية، ضامنة للمساواة والعدالة بين مواطنيها المسلمين والمسيحيين واليهود بالحقوق والواجبات كافة، ويشهد الجميع بقدرته على صياغة فلسفة الوحدة الوطنية الفلسطينية والبرهنة على سلامتها وصواب توجهاته بالتطبيق العملي، وبمهارته في إعادة توجيه دفة سفينة المشروع الوطني، وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية إثر رياح سياسية عاصفة مدمرة متتابعة، وتدخلاته ومداخلاته السريعة والمنطقية والموضوعية المانعة لتوسع الشروخ والتصدعات الناتجة عن تدخلات إقليمية ودولية في شؤون الشعب الفلسطيني، وتصديه مع قادة حركة فتح التاريخيين وقادة الفصائل الوطنية لمشاريع دول كبرى، وأخرى إقليمية هدفت لمصادرة القرار الوطني المستقل للشعب الفلسطيني، وتوظيف العمل الكفاحي الفلسطيني في صراعات إقليمية ودولية، لا علاقة لها بالحق الفلسطيني أبدا.. فأبو إياد هو القائل: “لا صوت إلا الصوت الفلسطيني المستقل الذي ينادي بوحدة منظمة التحرير وشرعيتها”؛ لإدراكه أن القرار الفلسطيني المستقل العاكس لوجود الشعب العربي الفلسطيني وحقه في الحرية والتحرر هو النقيض الرئيس لمشروع المنظومة الصهيونية الاستعمارية العنصرية.

لم تزل خصائص وسمات القائد أبو إياد معيارا للمناضل القائد بعد واحد وثلاثين عاما على استشهاده، يتوارثها شباب فلسطين من الجنسين، حتى وإن قيل إن كثيرا من الأمور قد تغيرت، وتتطلب معاييرا جديدة، لكن أليس الحفاظ على اللهجة اليافاوية تكريسا للأصالة الوطنية وحسن الانتماء، فابو إياد عاش ثلاثة أرباع عمره بعد النكبة خارج مسقط رأسه (يافا)، وهل يمكن استثناء الولاء للوطن، والوفاء للأخوة في الفكرة ودرب الكفاح، والانضباط والالتزام كمعايير، فأبو إياد رفض إغراءات كثيرة للانقلاب على قائده أبو عمار- رغم الاختلافات في وجهات النظر– ليس هذا وحسب بل كان يطلع أبو عمار على تفاصيل رغبات المتآمرين على الثورة والشعب الفلسطيني. فأبو إياد –رحمه الله– المتعلم المثقف، الأستاذ، والدارس لعلم النفس، هو نفسه الفدائي المقاتل في معركة الكرامة، والمناضل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة، تمتع بالحنكة، والرؤية الشاملة، والبعيدة المدى، والتحليل الصحيح للواقع، والتقديرات الصائبة المتوقعة، واستخلاص العبر، والمنهج العلمي لاستكشاف الأجواء، والحنكة، والمرونة، وحسن الإصغاء، وطرح الموقف بقوة وبلاغة وشجاعة وصلابة وثقة، جعلت منه محاورا مقنعا، وتاج كل هذه الصفات إنسانيته التي لمسناها منه في إطار العمل الوطني التنظيمي، وعاش تفاصيلها مناضلون عملوا معه في جهاز (الرصد الثوري).

وبقي أن نعلم أن فلسطين في فكر أبو اياد الثوري هي الحق التاريخي والطبيعي، والزمن بماضيه وحاضره ومستقبله. وأن الإيمان بالوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل كان يتطلب شجاعة الفدائي وإيمان الفيلسوف بفكرته وثقته بحتمية انتصارها، وأن تزاوج الفكرة الوطنية مع العقيدة الإنسانية، في عقل وقلب المناضل القائد سيمنحنا شجرة خالدة، طيبة جذورها، تشع بفروعها وزهورها على الأرض حبا وعشقا للوطن، وتنزل من السماء آيات الحرية، مكتوبة بأبجدية الحب العذري الخالد للوطن.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى