مقالات

سناريوهات ما بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – باستثناء إسرائيل، وبرود ردة الفعل الأميركية، فإن معظم دول العالم ومن ضمنها فلسطين، رحبت بعودة العلاقات السعودية الإيرانية، وذلك رغبة بمشاهدة شرق اوسط اكثر استقرارا وامنا وازدهارا، ودون شك ان هذه الخطوة تعتبر تطورا دراماتيكيا فاجأ المراقبين، ولكن من السابق لأوانه اعتبارها نقطة تحول كبيرة، وقد تكون فرص النجاح فيها 50%؛ لان المشاكل المعلقة بين البلدين معقدة للغاية، وكما هو معروف في مثل هذه الاتفاقيات فإن الشيطان يكمن بالتفاصيل.

دعونا نبدأ من نقطة إيجابية قد تسهم في نجاح الخطوة، ان كلا الطرفين بحاجة ماسة للاتفاق، ولو لم تكن هذه الحاجة موجودة لما حصل الاتفاق من اساسه، إيران تواجه العقوبات الأميركية والغربية منذ عقود الامر الذي خلق لها مصاعب اقتصادية تحولت مع الوقت إلى ازمة داخلية، ويضاف الى ذلك ان مشروع إيران الإقليمي وصل الى نقطة المراوحة، كما انه مكلف ويستنزف بدوره الاقتصاد الإيراني. اما السعودية التي راهنت كثيرا على الموقف الأميركي للجم التمدد الإيراني في العمق العربي، ولجم مشروعها النووي، الا ان كل ذلك لم يحدث، خاصة التهديدات الأمنية القادمة من اليمن.

عامل النجاح الثاني هو الوسيط الصيني، فالصين تتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع الطرفين، فهي المستورد الرئيس للنفط السعودي، وللبلدين علاقات بمئات مليارات الدولارات سنويا، ان الصين هي الشريك الاقتصادي الاهم لإيران، وبالإضافة الى ذلك ان التنين الصيني يرغب في لعب دور اكبر على الساحة الدولية ومن ضمنها الشرق الأوسط، فالصين تريد ان تقدم نفسها كإطفائي للحرائق التي يشعلها الاخرون، فالرئيس الصيني شي جينبينع، الذي يرغب بأن يكون زعيما عالميا، يقوم هذه الايام بدور الوسيط بين روسيا واوكرانيا، وها هي الصين تنجح بما فشلت به اطراف إقليمية ودولية عديدة بأن تجمع السعودية وإيران معا للبدء بمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية.

بعد اتمام هذه الخطوة المفاجئة، هناك ترقب اقليمي ودولي، والسؤال الذي يطرحه الجميع هل ستنجح عودة العلاقات في إطفاء ازمات المنطقة وتكون بالفعل صفحة جديدة إيجابية في الشرق الأوسط؟

هناك ازمات ثقيلة وعميقة تنتظر ان تنعكس هذه الخطوة عليها إيجابيا، وتمتد الأزمات من العراق وسوريا ولبنان الى اليمن جنوبا، فالسعودية لطالما طالبت طهران بعدم التدخل في الشؤون العربية، ولكن ولأن وقف هذا التدخل امر صعب، من المرجح ان يتفق الطرفان على إدارة الازمات اذا لم ينجحا في حلها. وقد يكون هناك مشكلة الاولويات من اين نبدا؟ فلكل طرف اولوياته، بالنسبة للسعودية، انهاء الازمة اليمنية تحتل الاهمية القصوى، فهي تمثل التهديد الامني الاخطر، وتمثل حالة استنزاف مالي وسياسي كبيرة، كما وتحتل العراق الاولوية الثانية للسعودية، فلدى هذه الاخيرة حدود طويلة مع العراق وتريدها حدود تعاون واستقرار، بالطبع تاتي بعد ذلك لبنان وسوريا.

اما بالنسبة لايران، فليس المهم لها من اي ازمة تبدأ، لكن يهمها ما هو المقابل، فليس من المتوقع ان تتنازل ايران عن نفوذها في المنطقة وما لديها من أوراق، يمكن ان تقياض مع الولايات المتحدة، وليس اي طرف اخر، ومع ذلك فان طهران بحاجة ان تفك عزلتها وبالتالي لابد من تقديم تنازلات، والسؤال هنا: هل ستكون هذه التنازلات كافية بالنسبة للسعودية للتقدم خطوة اخرى الى الامام مع طهران؟ الجواب على هذا السؤال هو ما قد يشير الى نجاح او فشل اتفاق عودة العلاقات في المدى المنظور.

المعادلة صعبة، فالسعودية تريد ان ترى تقيدا للحركة الإيرانية على الساحة العربية، وخاصة في خاصرتها الرخوة اليمن، وطهران تريد ان ترى تحسنا في علاقاتها مع السعودية وباقي دول الخليج ومصر، لكن دون ان تفرط بأوراقها. ومهما يكن الامر فقد وجهت الرياض، بهذه الخطوة التي جاءت بوساطة صينية، صفعة قوية لواشنطن، التي اعطتها السعودية الوقت الكافي لاحتواء الموقف الايراني، ولم تستجب لمتطلبات الرياض، التي كان اخرها تردد واشنطن في دعم برنامج نووي سلمي للسعودية. كما وجهت هذه الخطوة لكمة اكبر لنتنياهو الذي كان يتبجح بان التطبيع مع السعودية في متناول يده هو، دون غيره في إسرائيل.

اما عن انعكاس عودة العلاقات السعودية الإيرانية على فلسطين، قد يكون إيجابيا، لكنه محدود لأن الورقة الفلسطينية بالنسبة لطهران هي ورقة ضغط على واشنطن وتل أبيب، اكثر منها ورقة للضغط على الرياض. ومن الواضح منذ اكثر من عقد وايران تستخدم الساحة الفلسطينية، كورقة تشاغب بها إسرائيل ومن خلالها على الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في إطار شد الحبل بين الطرفين في الملف النووي.

وبغض النظر عن التوقعات والاحتمالات فإن الجميع في المنطقة يرغب في ان تقود هذه الخطوة لنوع من الاستقرار والهدوء، وان يبتعد شبح الحروب عن المنطقة، فقد سئمت شعوب الشرق الأوسط الصراعات التي تستنزف اقتصادياتها وتزيد من نسب الفقر والجوع، وتؤدي الى تراجع كافة القطاعات: الصحة والتعليم والخدمات، وتمنع الولوج بخطط للتنمية تقود التخلص من الهيمنة الخارجية.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى