مقالات

أكبادنا!

شعاع نيوز – الكاتب:  موفق مطر “منشان الله عمو خبرني هادا حقيقي ولا حلم”.. قالتها طفلة فلسطينية للمسعف الممرض وهو يمسح دماءها النازفة إثر انقاذها من تحت أنقاض منزل عائلتها، فجيش منظومة الاحتلال الصهيوني العنصري الارهابي افقدها القدرة على التمييز بين الحقائق والوقائع المادية، وبين الحلم (المنام) والخيال، وكأنها بسؤالها صاحب الرداء الأبيض الذي يعتبرونه في الثقافة الانسانية من ملائكة الرحمة، كأنها تسأل اصحاب العقول والقلوب في العالم، هل حقا كنت هدفا لقنابل جيش يدعي الالتزام بأخلاقيات وقوانين الحروب؟! هل حقا يحدث هذا لي، بعد أن صار بيتنا قبرا لعائلتي في زمن الشرائع والحقوق الانسانية والقوانين الدولية؟! لماذا الطيار الذي ألقى قنبلته المدمرة الخارقة الحارقة على دارنا قد خطفني من عالم المنام الى حافة لحظة من الحقيقة، لا ارى فيها إلا الجحيم المحكي في الأساطير، أليس لهذا الطيار قلب، أليس له أبناء صغار مثلي؟! أم تراه عقيما قد خلع انسانيته عند بوابة مخزن قنابل وصواريخ طائرته؟ بكت، ثم بكت، حتى جفت دموع كل من شاهدها وسمع تأوهاتها وشعر بآلامها حتى لو كان وراء المحيطات.

“منشان الله عمو قول لي انو امي بعدها عايشة”.. نطقها طفل فلسطيني صغير كان يرتجف هلعا وخوفا، لا يتجاوز سنه عدد اصابع اليد الواحدة، اختلطت دماؤه النازفة مع دخان قنبلة وغبار تراب من ارض بيته الطاهر، أخذ ارهابي طائر على متن وحش فولاذي، يسمى في العلوم العسكرية (طيار حربي) روح اغلى ما لديه، وأعظم دفء، واسمى حب، لكنه لا يريد تصديق ما رأت عيناه، فهو ما زال يعتقد أنه في يوم القيامة سيكون مع امه حيا في الجنة، لا فرق عنده بين الجنة الدنيا أو الجنة في الآخرة، فهو يعتقد أن أمه سبيله الوحيد للنجاة في الحياة الدنيوية الأرضية والروحية السماوية، يسال أحد ملائكة الرحمة (الممرض المسعف) وكأنه يسأل اطفال العالم، هل شعرتم يوما بأحزان كحزني على فقدان امهاتكم؟! كيف عشتم من فقدانكم لحضنها للأبد، من سيبقى متيقظا فوق رأسي، وتلبيني وأنا أئن من جراحي، من سيلبسني صدارة مدرستي، ويرتب لي حقيبة كتبي ودفاتري؟.. ارجوكم ارفعوا ايديكم الى السماء واطلبوا من الله أن يبقي روحها في جسدها على أرض.

احببتها لأن امي كانت تخبز لنا على طابون بنته من طينها.. اخبروا الله من فضلكم أنا احب امي، لذا أنا احب الحياة.

“هاي اختنا أصغر وحدة والوحيدة بيناتنا بنت” قالها طفل جريح، اخرجه المسعفون من تحت الأنقاض حيا مع أخيه الأصغر قالها وهو يخبر صحفيا بلغة دموع حارقة لكل ذي لب، فيما اخوه الأصغر يقبل قدم اخته الوحيدة، كما تقبل ام رضيعتها في سنتها الأولى، يقبلها قبلة الوداع الأخير وكأنه يصر على مداعبتها وهو يعلم يقينا أن أخته ستطير روحها كما العصافير الى الجنة، يودعانها وكأن الحياة في كنف العائلة المقدسة بعد أن كان حقيقة قد اصبح وهماً، يودعانها ليشهد العالم أن هذا الطفل الفلسطيني الصغير، هذا الفلسطيني الطفل الكبير، ليس متزمتا، ولا متعصبا، وأنه متحرر من تعاليم الجاهلية ووأد البنات!

يودعان اختهما ولسان حالهما ينطق بألف الف سؤال لينقله الصحفي بكل السن شعوب وأمم الدنيا: هل رأيتم؟! أعرفتم الآن من يقتل الأطفال، هل شاهدتم استباحة لدماء الطفولة كما يحدث لنا، ليس لنا ذنب سوى أن والدنا فلسطيني، وولدتنا فلسطينية، وجدنا فلسطيني، وجد جدنا فلسطيني، وكلنا أبا عن جد فلسطينيون، وكانت جل آمالنا أن نحيا مثل اطفال العالم في وطن تطلع عليه الشمس ونحن سعداء، ونذهب الى مدارسنا بسلام وألا يوقفنا على الحواجز جنود جيش احتلال، على جباههم ملامح حقد مدججون بالسلاح.. قل لهم أيها الصحفي أننا كنا واختنا التى ارتقت روحها الى اعالي السماء، كنا نأمل ونتطلع لأن ننام بأمان ونحلم دائما بالربيع لنلاحق الفراشات، لكن الحرب احرقت الحب في اكبادنا، يوم قتل التلموديون الارهابيون اختنا الوحيدة.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى