نكبة فلسطين عام 1948 لم تكن الأخيرة.. لماذا؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – اعتقد العرب ان نكبة فلسطين عام 1948 حدث نادر لن يتكرر، وفي تلك النكبة لم يكن تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني وتحويلهم الى لاجئين، أو استشهاد اكثر من 15 ألف فلسطيني في حينه، هو ذروة الكارثة، فالذروة هو الغاء وجود دولة عربية، دولة فلسطين. وازالتها عن خارطة الشرق الأوسط، وإحلال دولة أخرى لشعب أخر مكانها. وبعد 19 عاما فقط لحقت بالعرب هزيمة شنيعة في حرب حزيران/ يونيو 1967، ورأينا مرة أخرى مشاهد اللاجئين والنازحين.
بعد ذلك جاءت مشاهد الدم والدمار والتهجير في الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت في نيسان/ ابريل العام 1975 واستمرت لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن.
وخلال ذلك، خلال الحرب الاهلية اللبنانية، جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومحاصرة بيروت ومن ثم احتلالها عام 1982، الذي تتضمن مشاهد الدمار والتهجير المريعة وعشرات آلاف الشهداء والجرحى، وكان الفصل الأبشع فيها مذابح المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، بمعنى ملاحقة لاجئي النكبة الأولى، ضحايا التطهير العرقي الصهيوني وذبحهم.
من الناحية السياسية كانت نتيجة هذه الحرب نكبة جديدة، فقد تم ابعاد الثورة الفلسطينية عن حدود فلسطين، وأدخلت في دوامة انقسامات وانشقاقات وحروب في البقاع وطرابلس وكان الهدف ليس فقط ابعاد منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية عن حدود فلسطين، وإنما ايضا الاستيلاء على قرارها وانهاء فصل امتلاك الشعب الفلسطيني لارادته الحرة وقراره الوطني المستقل، ولم تستطيع المنظمة من التغلب على هذه المحاولات إلا في العام 1987 وإعادة توحيد نفسها، ثم جاءت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى لتعزز هذه الوحدة.
وما ان بدأ المشهد الفلسطيني يتطور إيجابيا، المنظمة أعيد توحيدها، والانتفاضة الشعبية السلمية، شكلت رافعة وطنية قلبت الموازين، واضطرت واشنطن للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، واعترفت اكثر من مائة دولة في الدولة الفلسطينية التي أعلنها الرئيس الشهيد ياسر عرفات اثناء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في خريف عام 1988، ما ان شعرنا بنوع من الأمل حتى اجتاح صدام حسين الكويت مطلع آب/ أغسطس 1990، وبدأ الاجتياح الاميركي للشرق الأوسط عسكريا.
حرب الخليج عام 1991 لم تكن هزيمة للعراق وحسب، بل غيرت شكل الشرق الأوسط، وتوجت باحتلال العراق في ربيع عام 2003، وقبل ذلك، في العام 2002 كان رئيس الوزراء الإسرائيلي اريئيل شارون قد قام بإعادة احتلال الضفة في عملية “السور الواقي” ليطوي عمليا صفحة السلام المتعثر بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
اما النكبات الكبرى فقد بدأت مع ثورات الربيع العربي منذ مطلع العام 2011، تفكيك سوريا وليبيا واليمن، وكادت تنجح في تفكيك مصر وتونس، وقبلها كانت نجحت في تفكيك الشعب الفلسطيني بعد ان سيطرت حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة وحصل الانقسام الكبير في الشعب الفلسطيني، قد لا يتذكر الناس فصول استيلاء حماس على القطاع بشكل دموي حيث قتل وجرح خلاله اكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني، وتم فصل قطاع غزة عن الضفة ودخل مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة في سبات عميق.
اقرأ|ي أيضاً| “عناد حماس الاستراتيجي”!
كيف هو المشهد العربي اليوم؟
قطاع غزة يعيش نكبة فظيعة منذ السابع من اكتوبر العام الماضي، 50 ألف شهيد و130 ألف جريح، وأكثر من 10 آلاف أسير، و200 ألف فلسطيني خرجوا من القطاع الى مصر ودول أخرى هربا من هول المذبحة الكبرى، و70% من بيوت المواطنين مدمرة، وكذلك البنى التحتية، وشبكات الطرق والماء والكهرباء ومئات المدارس والجامعات والمستشفيات، تدمير كامل للمقدرات الاقتصادية، زراعة وصناعة ومؤسسات عامة وخاصة، وحرب الإبادة مستمرة، والتطهير العرقي مستمر.
والمشهد اللبناني لم يكن بأقل خلال نفس الفترة، قرى دمرت بالكامل، أكثر من 4 آلاف شهيد و16 ألف جريح، ومشهد عشرات آلاف النازحين والمهجرين.
وتعيش سوريا نكبة منذ العام 2011، عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والمعاقين، ملايين اللاجئين، واليوم تعود دائرة القتل والدمار لتشتعل من جديد، وتنتشر على الأرض السورية قوى اجنبية وعشرات الميليشيات المتطرفة، ولا تزال ليبيا منقسمة على بعضها مفككة، فليس هناك دولة ما يمكن ان يطلق عليها الدولة الليبية ولا اليمنية.
قبل الربيع العربي لم يكن الواقع العربي نموذجيا، ولا حتى مقبولا، كان الإسلام السياسي يسيطر على المجتمعات وعقل المجتمعات ودخلت الأمة في العصر المظلم.
كان من المكن تفادي الكثير من النكبات لو توقفنا عند نكبة فلسطين الأولى بشكل جدي وعميق، ولاحظنا ما فيها من دروس وعبر، لكان وضع العرب وفلسطين أفضل، فعندما تكون الدول العربية مزدهرة اقتصاديا منيعة من الداخل يحكمها القانون والنظام ولكن في السياسة ومع الأسف لا مكان لكلمة لو.