مقالات

قراءة في زيارة بايدن لفلسطين

الكاتب: باسم برهوم/ شعاع نيوز: بالضرورة، ونحن نحاول قراءة زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فلسطين، ولقائه الرئيس محمود عباس، أن نميز بين ثلاث قراءات، الأولى، السياسية المهنية المحترفة، والثانية، المستندة إلى الموقف الوطني العام والثوابت الوطنية، وأخيرا القراءة الشعبوية، التي تخاطب العواطف والغرائز. ما أود توضيحه أن المقال هو محاولة لقراءة الزيارة من الزاوية السياسية المهنية، التي عليها أن تلاحظ الفوارق والتفاصيل الدقيقة بهدف البناء عليها مهما كانت بسيطة، ومهما كان فيها من تحديات، فالخطأ الأخطر هو العدمية والتعميم دون تدقيق.

من المهم لنا ونحن نقرأ الزيارة فلسطينيا، أن نلاحظ الفارق بين ما كان عليه الموقف الأميركي إبان إدارة ترامب وما هو عليه الآن إبان إدارة بايدن، لذلك من الضروري أن ننطلق، ونحن نحلل الزيارة، من نقطة أن حدوثها بحد ذاته هو مهم، بغض النظر عن المسببات التي قادت إليها في هذا التوقيت بالتحديد وليس قبل أو بعد. فأن يأتي رئيس أميركي لفلسطين، وبعد أن شطبها ترامب من الحسابات ومن الخارطة الجديدة للشرق الأوسط، فهذا أمر مهم ويجب أن يلاحظ. وأعتقد أن بايدن أشار له عندما ألمح إلى أنه جاء ليمسح ما خلفته سياسة ترامب من دمار لعملية السلام والقضية الفلسطينية.

وهنا لا بد من إيراد بعض الفوارق التي يمكن البناء عليها:

أولا: ترامب من الناحية العملية أراد تصفية القضية الفلسطينية تصفية تامة بجميع عناصرها الأساسية، وحدد أن للفلسطينيين الحق فقط بمستوى معيشي معقول في ظل القبول بالاحتلال والسيادة الإسرائيلية، كما أخرج ترامب ملف القدس نهائيا، وقرر تصفية قضية اللاجئين عبر إنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وقطع كل أشكال الدعم عنها بل ودعا لحلها نهائيا، ثم اعتبر ترامب الاستيطان حقا طبيعيا لنمو الشعب اليهودي على أرضه التاريخية، لذلك لم نسمع ولم نقرأ أي نقد أو إدانة من إدارة ترامب للاستيطان.

ثانيا: أخرج ترامب، وفي سياق سعيه لتصفية القضية الفلسطينية، حل الدولتين وحتى أي حل يستند لقرارات الشرعية الدولية من التداول.

ثالثا: وفي السياق ذاته قام بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، والذي كان بمثابة سفارة في واشنطن، وعمل على نزع شرعية القيادة الفلسطينية الممثلة للشعب الفلسطيني، ومارس حصارا سياسيا واقتصاديا عليها، وعلى الشعب الفلسطيني ككل فهو أوقف كل أشكال الدعم سواء للسلطة الوطنية الفلسطينية، أو لأي مؤسسة فلسطينية من المجتمع المدني.

رابعا: وأخيرا، طرح ترامب صفقة القرن، والتي تعني علاقات إسرائيلية عربية كاملة يحق للشعب الفلسطيني في إطارها أن يحصل فقط على مساعدات اقتصادية.

في المقابل، علينا أن نلاحظ الفوارق في مواقف الرئيس بايدن، فهو أولا: أعاد الحديث عن القضية الفلسطينية كقضية سياسية، عبر إعادة حل الدولتين إلى التداول، وأيضا تعمد زيارة القدس الشرقية دون أي مصاحبة رسمية أو غير رسمية إسرائيلية، وأن يزور مؤسسة فلسطينية ويعلن من هناك رزمة مساعدات للمستشفيات الفلسطينية، هي خطوة رمزية بالغة الأهمية تعني أن ملف القدس، وبالرغم من اعتراف ترامب بأنها عاصمة لإسرائيل، لا يزال حاضرا.

ثانيا: أعاد التواصل مع القيادة الفلسطينية الذي قطع أيام ترامب نهائيا، وهو التواصل الذي يعني فيما يعني أن للقضية الفلسطينية بعدها السياسي وليس الاقتصادي فقط.

ثالثا: أعاد تقديم الدعم للأونروا، وهذا دليل على أن ملف قضية اللاجئين الفلسطينين لم يسحب من التداول كما سعى ترامب لذلك.

رابعا: اللغة مهمة لغة المخاطبة والتعامل في السياسة، ترامب المتعجرف بلغته، أراد أن يوصل رسالة بأنه لا يرى الشعب الفلسطيني من أساسه، وبينما بايدن عبر أنه يشعر ويفكر بمعاناة الشعب الفلسطيني، وأن هذا الشعب يستحق أن تكون له دولة مستقلة.

خامسا: هناك بعض الرمزيات البروتوكولية المهمة في الزيارة، والتي يعتقد البعض أنها شكلية، ولكنها في الحالة الفلسطينية مهمة، أن يرفع العلم الفلسطيني على سيارة الرئيس الأميركي، فهذا مؤشر للسيادة على الأرض التي تسير عيها السيارة، بعد أن كان الضم هو المشروع المتاح زمن ترامب، أيضا زيارة كنيسة المهد، فقد كان هناك نوعان من الاستقبال، الأول، سياسي رسمي، تمثل بمحافظ بيت لحم ورئيس البلدية، وقائد الأمن الوطني، وقائد الشرطة الفلسطينية في بيت لحم، وهناك الاستقبال الديني من قبل رجال الدين المسيحيين، الممثلين لمختلف الطوائف المسيحية، هذا التميز، مرة أخرى هو خطوة رمزية سيادية لها مضامبن سياسية.

وفي رؤية أشمل، ولفهم أعمق للأمور لا بد من ملاحظة ما قاله الرئيس محمود عباس بدقة، وهو المطلع جيدا على هذه الفوارق، ولكنه يريد أن تتحول من كونها كلاما نظريا إلى ممارسة عملية، الرئيس قال لبايدن بما معناه، إذا كنت مختلفا عن ترامب، فترجمة ذلك عمليا تأتي من خلال إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، لأنها القناة الرسمية للعلاقات الثنائية الفلسطينية الأميركية، وعليك أن تعيد فتح مكتب السفارة الفلسطينية في واشنطن وأن ترفع منظمة التحرير عن قائمة الإرهاب، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني ليس إرهابيا.

وفي الإطار الأوسع، ولتأكيد الاختلاف، طالب الرئيس أبو مازن من الرئيس بايدن، إن هو فعلا متمسك بحل الدولتين، فعليه أن يضغط على إسرائيل من أجل بدء مفاوضات جدية توصل لهذا الهدف. أما الأهم فهو تأكيد الرئيس أن فلسطين، والقدس تحديدا هي المدخل للسلام والاستقرار، وأن مسألة إنهاء الاحتلال يجب أن تسبق أي عملية تقارب بين إسرائيل والدول العربية، وأن القفز عن القضية الفلسطينية، ليس هو الطريق الصحيح لتطبيع وجود إسرائيل في المنطقة.

هناك عمل شاق وطويل أمام الشعب الفلسطيني، ولكن علينا أن نشعر بنوع من الفخر فزيارة بايدن لفلسطين بحد ذاتها هي اعتراف بفشل صفقة القرن، ولعلنا هنا بحاجة لخطة عمل مهنية تعمل على تحويل أقوال بايدن إلى أفعال خصوصا أن لنا اصدقاء فاعلين في أميركا.


اقرأ\ي أيضاً| متحدثون: الرئيس أكد لبايدن على حقوق شعبنا بقضايا الحل النهائي

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى