لقاء الصين يفتح الأفق

شعاع نيوز – الكاتب: عمر الغول – في خضم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني تسعى جمهورية الصين الشعبية، القطب الدولي الصاعد إلى لعب دور نشط وفاعل في ملف المصالحة الفلسطينية، انطلاقا من إدراكها لمسؤولياتها كلاعب مركزي في المشهد الدولي، والتزاماتها الأخلاقية والسياسية تجاه اصدقائها في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط، وإدراكها لمركزية الإقليم في معادلة إعادة تشكل النظام الدولي الجديد، ورغبتها في الإسهام بترميم الجسور بين القوى الفلسطينية، وردم هوة الانقسام والانقلاب المرير منذ 17 عاما، وتصليب عود الوحدة الوطنية، استنادا إلى العلاقات التاريخية بين الشعبين والقيادتين الصديقتين منذ أواسط ستينيات القرن الماضي.
تعزيزا لما تقدم، دعت الخارجية الصينية وفدين من حركتي فتح وحماس لبكين للقاء يومي 28 و29 ابريل الماضي، واستكمال الحوارات التي تمت في موسكو نهاية فبراير مطلع مارس الماضي، وفي البداية التقى نائب وزير الخارجية الصيني كل وفد على انفراد، واستمع لكليهما، حيث طلب من كل وفد طرح ما لديه من معطيات في ملف المصالحة، ومآخذه على الطرف الآخر، تلا ذلك جمع الوفدين مع بعضهما البعض ليتحاورا في مختلف النقاط، واختتم بلقاء مشترك بحضور ممثلي الدولة المضيفة، وطلب الأصدقاء الصينيون من ممثلي الوفدين عدم التصريح بأي مواقف علنية للإعلام، وكانت هذه رغبة وفد فتح، الذي قاده عزام الأحمد وشاركه عضو الوفد د سمير الرفاعي، حيث أكد في اللقاء المشترك مع ممثل وزارة الخارجية لنجاح الحوار على ذات النقطة، ووقف الحملات التحريضية بين الجانبين، واستخدام لغة إيجابية في وسائل الإعلام، إذا ما اضطر أحدهم للجواب على أسئلة الصحفيين. ولهذا جاء بيان الخارجية الصينية إيجابيا وعاما.
وحسب مصادر عليمة، فإن اللقاءات كانت إيجابية عكست الرغبة المشتركة في كسر حدة الاستعصاء، والتقدم خطوة للأمام، وتفعيل اللجان المشتركة، والبناء على ما خلصت إليه حوارات موسكو قبل قرابة الشهرين، حيث أكد وفد حماس برئاسة موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، وعضوية حسام بدران على الرغبة بالانضمام لمنظمة التحرير، وتعزيز الشراكة الوطنية، ومواجهة التحديات الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية في غزة والضفة عموما والقدس خصوصا، والموافقة على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
كما اتفق الوفدان مع الراعي الصيني على عقد اجتماع موسع لممثلي فصائل العمل السياسي الفلسطينية في منتصف يونيو القادم، على أن يسبقه اجتماع ثنائي بين حركتي فتح وحماس لوضع اللمسات الأخيرة على نقاط الاتفاق بهدف إنجاح الحوار، ودفع عربة الوحدة خطوة جدية للأمام، والخروج من نفق المراوحة والتعثر. لا سيما أن هناك مصلحة إستراتيجية لكلا الحركتين وللكل الفلسطيني في حماية الذات الفصائلية كل على انفراد، وبشكل مشترك، وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني.
اقرأ|ي أيضاً| الصين: ما يحدث في غزة لا يقبله الضمير الإنساني
وفي سياق ذلك، تملي الضرورة على قيادة حماس لتعزيز الأبعاد الإيجابية لحوارات بكين وموسكو تحويل ملف المفاوضات لمنظمة التحرير استمرارا لما حصل في مفاوضات 2014، والجلوس كفريق واحد تحت راية المنظمة لتأكيد وحدة الفهم والرؤى والموقف تجاه ملفات تبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها وعناوينها للقطاع، ووقف التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني من غزة أو الضفة، الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتجسير الهوة بين جناحي الوطن، وإدخال الخدمات اللوجستية الضرورية والسريعة كافة للمواطنين بعد وقف أوزار الحرب الجهنمية، والذهاب للمؤتمر الدولي للسلام لترسيخ خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.
ولإحداث النقلة النوعية الحقيقية يفترض خروج قيادة حماس من دوامة المناورة، وحسم مواقفها بعيدا عن المراوغة، والربط الجدي والمسؤول بين المواقف الإيجابية المعلنة وترجماتها على الأرض، وإلا ستبقى الحوارات تدور في حلقات مفرغة وعبثية.
ومن أهم مخرجات لقاء بكين، ما حمله اتصال عزام الأحمد مع بوغدانوف، مساعد وزير الخارجية الروسي في أعقاب حوار بكين، ووضعه في صورة الأجواء الإيجابية، وعلى إثر ذلك أصدرت الخارجية الروسية بيانا سياسيا بشأن ما تم تداوله، جاء فيه، تأكيد المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، عزم موسكو وبكين على الإسهام في توحيد الصف الفلسطيني. وأضاف البيان “تم الاتفاق على مواصلة الجهود الهادفة إلى توحيد الصف الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة على أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك بمساعدة منسقة من روسيا والصين.” وأهمية ما تضمنه البيان الروسي، تأكيد الشراكة والتنسيق الروسي الصيني في وضع ثقلهما لتفكيك نقاط الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وعلاقة ذلك بمواجهة الإمبريالية الأميركية والغربية عموما ومخططاتهم الإجرامية في الوطن العربي والإقليم الشرق أوسطي، وتعزيز نفوذهما في ملفات المنطقة عبر الملف الفلسطيني، الذي يعتبر حلقة مركزية في قضايا المنطقة والعالم.
ومن المؤكد أن جهود موسكو وبكين تعزز دور الأشقاء العرب، وخاصة جمهورية مصر العربية الراعي الأساس للمصالحة، وليست بديلا، وهنا تكمن أهميتها، والرهان على ثقلها الإيجابي في كسر حلقات الاستعصاء بين القوى الفلسطينية المختلفة.