مقالات

غورباتشوف… هل كان مصيباً بما فعل؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم– عندما تسلم غورباتشوف الحكم في الاتحاد السوفييتي عام 1985، كان هناك متحمسون كثر له، فهو زعيم شاب له كاريزما، جاء بعد أكثر من عقد من الزمن أصيبت خلالها السياسة السوفييتية بالركود، فالسنوات الأخيرة من حكم بريجينيف، كانت البلاد تبدو وكأنها سفينة تطفو في المحيط دون قبطان. وجاء بعده أندروبوف، الذي كان يقال عنه إنه الرجل القوي في الحزب الشيوعي السوفييتي، وتفاءل الجميع في حينه، لكنه توفي بعد عام ونصف العام دون أن يستطيع تحريك العجلة، وكانت الكارثة تسليم الحكم إلى تشيرنينكو، الذي كان كبيرا بالسن وعمليا كان بمعظم أيام حكمه القصيرة غائبا عن الوعي.

عندما جاء غورباتشوف بعد كل هذه السنوات العجاف تفاءل الكثيرون، خصوصا بعد أن بدأ يتحدث عن خططه الإصلاحية للنظام الاشتراكي السوفييتي، الذي بالفعل كان بحاجة للإصلاح، وطرح في حينه فكرتين: “الغلاسنوست” أي المكاشفة والشفافية، الأمر الذي فهم في حينه أنها محاولة منه لدمقرطة النظام السوفييتي، والفكرة الثانية “والبيريسترويكا” أي إعادة هيكلة وبناء النظام، وهو ما فهم بأنها عملية تحديث البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وفسر انفتاح غورباتشوف على الغرب، ومحاولاته لتخفيف حدة التوتر بين المعسكرين المتواجهين في حرب باردة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية: المعسكر الاشتراكي ومعه تشيكله العسكري حلف وارسو، والمعسكر الرأسمالي، وتشكيله العسكري حلف الأطلسي- بأنه تكتيك من أجل كسب الوقت بهدف إجراء الإصلاحات وإعادة النهوض بالاقتصاد الذي كان متنرنحا في حينه.

الاتحاد السوفييتي كان عملاقا عسكريا ونوويا لكنه كان أضعف اقتصاديا، فلم يكن اقتصاده يمثل سوى 11 % من الاقتصاد العالمي، في حين كانت حصة الولايات المتحدة الأميركية منفردة تتجاوز الـ 30 %، أي ثلث الاقتصاد العالمي. فالإصلاح كان ضرورة من وجهة نظر الكثير من المراقبين. فالسؤال: هل جاءت محاولات غورباتشوف الإصلاحية متأخرة، وبالتالي لم تكن هناك أية فرصة لتحقيقها، أم أنه كان متعجلا في خطواته ما أدى إلى تفكيكك الاتحاد السوفييتي؟

ولأنني لا أميل لنظرية المؤامرة، فإن النقاش من وجهة نظري يتمحور في إطار السؤال سابق الذكر. فليس من المعقول أن يكون بمقدور شخص واحد مهما كانت نفوذه وحجم تآمره أن يفكك بسنوات قليلة دولة عظمى بحجم الاتحاد السوفييتي، ومعسكرا اشتراكيا كاملا، لو لم تكن هناك أسباب عميقة للتفكك من الداخل ناجمة عن طبيعة النظام التوتاليتاري الشمولي، الذي كان متآكلا بسبب غياب الإصلاحات.

دون شك أن الغرب الإمبريالي المراقب عن كثب الأوضاع الداخلية للخصم، كان على اطلاع على الأزمات التي كان يعاني منها الاتحاد السوفييتي ومعسكره الاشتراكي، وكانت هناك مقدمات للتفكك، مثل تمرد عمال بولندا، وتشكيل حركة “تضامن بقيادة ليخ فاليسا في مطلع الثمانينات، وقبلها أحداث تشيكوسلوفاكيا، التي أطلق عليها الغرب “ربيع براغ” وأحداث المجر. وبالتأكيد إن هذا الغرب قد وجد بتقارب غورباتشوف وانفتاحه عليه فرصة لمزيد من الانقضاض ودعم كل شكل من أشكال التمرد والتفكك، ومن وجهة نظري فإن الغرب ذاته قد فوجئ من سرعة التفكك التي طالما سعى إليها.

غورباتشوف وكما هو رأي الغرب فيه، قد وثق أكثر مما يجب بالوعود التي قدمها له زعماء الغرب وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي رونالد ريغن، الذي كان من أكثر الرؤساء الأمريكان عدائية للاتحاد السوفييتي، وتمثل الحرب الأوكرانية اليوم إحدى نتائج عدم التزام الغرب بوعوده، خاصة الوعد الشفوي الذي قدمه لغورباتشوف بعدم تمدد حلف الأطلسي شرقا بعد موافقته على إعادة توحيد ألمانيا وتفكيك حلف وارسو. وفي النتيجة فقد نجح غورباتشوف بإنهاء الحرب الباردة، وهذا أمر يسجل له تاريخيا، لكن وفي النتيجة أيضا فقد سجل الغرب الإمبريالي انتصارا وتفكك الاتحاد السوفييتي وانتهى معه المعسكر الاشتراكي.

وعودة لسؤال المقال هل كان غورباتشوف مصيبا بما فعل أم لا؟ هناك إجابتان لهذا السؤال، الأولى افتراضية، تعتبر أن غورباتشوف قد جنب العالم حربا نووية، فالاتحاد السوفييتي المأزوم الذي أرهق الغرب اقتصاده بسباق تسلح استمر لعقود طويلة، كما استنزفته حرب أفغانستان، والحروب بالوكالة، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا وجنوب شرق آسيا، فكان هناك احتمال أن يأتي زعيم مغامر تغريه فكرة حسم الصراع بحرب نووية باعتبارها المخرج الوحيد من أزمته العميقة. أما الإجابة الثانية فهي المتعلقة بالنتائج الفعلية، ففي نهاية الأمر، فشلت محاولات غورباتشوف للخروج من الأزمة الداخلية، وتم استغلاله من الغرب فجاءت النتيجة الصعبة والمدمرة بتفكك الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فإن هذا الرجل من وجهة نظري حاول مخلصا لكن قطار التفكك كان أسرع بكثير من إصلاحاته التي لم يتمكن من إنجاز أي منها. رحل غورباتشوف وسيحكم التاريخ إن كان مصيبا أم لا.


اقرأ/ي أيضاً| مؤتمر بازل 2022.. صهيو-أبرتهايد عالمي جديد

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى