مقالات

الفيتو الأميركي.. استمرار لوعد بلفور

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – لم يفاجأ أحد بالفيتو الأميركي في مجلس الأمن حول عضوية الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة، فقبل كل شيء هناك تاريخ طويل من الفيتو الأميركي، فقد أحبطت واشنطن عشرات القرارات في مجلس الامن التي تتضمن نوعا من الإنصاف لحقوق الشعب الفلسطيني.

واذا ما اردنا وضع هذا الفيتو في موقعه الحقيقي، فإنه تعبير عن رؤية استعمارية بمنطقه التقليدي القديم، والذي تقف خلفه بنية استشراقية سميكة الموقف من الشرق. وهو تعبير عن التبني الكامل للمشروع الصهيوني، ولا يمكن تفسيره انه مجرد انحياز او الكيل بمكيالين او غياب لمنطق الانصاف والعدل. انه تبنيهم الكامل للمشروع الصهيوني، ان لم يكن ان واشنطن اليوم هي من تعتبر ان المشروع مشروعها تماما مثلما كانت بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية.

الفيتو الأميركي لا يمكن وصفه إلا انه عنصري بامتياز لكونه لا يعتبر الشعب الفلسطيني بشرا لهم ذات الحقوق التي من المفترض هي ذاتها لجميع الشعوب، ولكن من السهل فهم الموقف اذا علمنا ان الولايات المتحدة نفسها قامت على أنقاض الشعب الاصلي صاحب الارض، وانها لم تقم لولا حروب الابادة التي استمرت عقودا طويلة للشعب الاصلي. فما يربط الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل هو جوهر التكوين.. كلاهما تأسسا عبر الابادة والتشريد ومنطق التفوق على الشعب الاصلي. من هنا لا السياسة الأميركية ولا مواقف اداراتها المتعاقبة من القضية الفلسطينية يمكن تفسيره سوى بمنطق الجذر العنصري للفكر الاستعماري المستند لمبدأ التفوق وامتلاك القوة وبالتالي استخدام مبدأ البطش بالآخر والاستيلاء على ارضه.

وبغض النظر عن التصريحات التي فيها قدر كبير من النفاق، فإن الولايات المتحدة هي من الناحية العملية الداعم الحقيقي لحرب الابادة الإسرائيلية في قطاع غزة وهي التي تقدم لإسرائيل الدعم العسكري والسياسي وتقوم بتغطية انتهاكاتها للقانون الدولي وتمنع محاسبتها. ربما الاصح، او الأقرب للصحة، ان إسرائيل تقوم بكل ما تقوم به من مهام قذرة نيابة عن اميركا، ومن اجل المصالح الأميركية، لذلك هي تحظى بحماية واشنطن الكاملة.


اقرأ\ي أيضاً|الرئاسة تدين استخدام الولايات المتحدة “الفيتو” لمنع حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة


ارادت القيادة الفلسطينية اختبار مواقف الولايات المتحدة المعلنة والمتكررة من مسألة حل الدولتين وهي، وأنها تريد ان ترى دولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل، ولكن وعندما أصبح لديها الفرصة لتثبيت وجود هذه وتحويلها الى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة ردت واشنطن بالفيتو وحرمت الشعب الفلسطيني الذي ينزف في غزة والضفة من فرصة ثمينة لتجسيد حقه بدولة كاملة العضوية في الامم المتحدة. ولكن وللحقيقة، وكما سبقت الاشارة فإن احدا لم يفاجأ بهذا الموقف الأميركي، لان صفحات التاريخ اوضحت لنا دور الولايات المتحدة منذ العام 1917 عندما شاركت واشنطن بجدية في صياغة وعد بلفور الذي مثل الخطوة الاولى في نكبة الشعب الفلسطيني، وفي تفكيك فلسطين والغاء وجودها عن خارطة الشرق الاوسط، فكيف لهذه الدولة الامبريالية ان تسمح بإعادة فلسطين للخارطة، خصوصا ان نجاح اي رئيس في الولايات المتحدة يعتمد على رضى المسيحيين الصهاينة واليهود الصهاينة.

في عام 1948 الرئيس الأميركي ترومان كان من بين اشد المتحمسين لتأسيس الدولة اليهودية في فلسطين، حتى لو كانت على حساب وجود الشعب الفلسطيني، السكان الاصليين اصحاب الأرض، فما الذي يميز ترومان او بايدن او ترامب او اي رئيس اميركي عن المسيحي الصهيوني بلفور، وزير خارحية بريطانيا، الذي قال ان اقامة دولة يهودية في فلسطين لهو اهم بكثير من الـ 700 الف عربي فلسطيني الذين كانوا موجودين في فلسطين لحظة إعلانه عن وعده المشؤوم في الثاني من تشرين الثاني / نوفمبر 1917.

الفيتو هو النسخة الجديدة من وعد بلفور. فهو لا يعني سوى شيء واحد ان الهدف الاستعماري – الصهيوني الجوهري لم يتغير وأن مسألة وجود الدولة اليهودية لهو اهم بما يقاس من وجود دولة فلسطينية مستقلة، لعل في كل ما جرى رسالة لنا قبل غيرنا ان واشنطن هي المشكلة وليست هي الحل وعلى اساسه يمكن ان يتم التعامل مع دولة النفاق العالمي، فنحن لم نعتد على واشنطن وكنا اكثر الراغبين في السلام والامن، ولكن ما تثبته التجارب ان الولايات المتحدة هي من لا ترغب بالسلام ولا تريد تحقيق الامن والاستقرار في المنطقة.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى