مقالات

أسباب أزمة مكارثي

شعاع نيوز – الكاتب: عمر الغول – يوم السبت الفائت الموافق 7 كانون 2 / يناير الحالي تمكن النائب الجمهوري كيفن مكارثي من تجاوز عقدة انتخابه رئيسا لمجلس النواب الأميركي، خلفا لـ”نانسي بيلوسي” الديمقراطية، في أعقاب فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس إثر الانتخابات النصفية في مطلع تشرين 2 / نوفمبر 2022.

لكن فوز مكارثي بالرئاسة ما زال ناقصا. لا سيما أنه يفترض أن يحصل على 218 صوتا. وما حصل عليه، هو 216 صوتا، وبالتالي فوزه تم تقريبا بالتزكية، لأنه لم يكن هناك منافس له، وبقيت المجموعة الجمهورية المؤيدة للرئيس السابق دونالد ترامب متحفظة على انتخاب زميلهم الجمهوري، لأنها تعتبره ضعيفا، أو حسب رأيهم “أنه معتدل أكثر من اللازم”، أو كما قال النائب مات غيتز عن ولاية فلوريدا “كيفن لا يؤمن بأي شيء، وليست لديه آيديولوجية”. وبالتالي لم تكن عملية انتخاب النائب عن ولاية كاليفورنيا سهلة، العكس صحيح، حيث فشل الجمهوريون (14) مرة في تنصيب زعيم أغلبيتهم أربع عشرة جولة مضنية وشاقة، وكان حوالي عشرين نائبا ضد انتخابه، تراجعوا في النهاية نتيجة أخذ ورد إلى أربعة أعضاء. وفي الجولة الـ(15) حسم الأمر لصالحه. ولكنه جاء مكلوما، ويعاب عليه عدم حشده الأصوات المطلوبة.

وهذه ليست المرة الأولى في تاريخ مجلس النواب الأميركي، حيث واجه المجلس بالضبط قبل قرن من الزمان، وبالتحديد في عام 1923 ازمة حادة استمرت قرابة العام ونصف العام نجم عنها بقاء المجلس دون رئيس. والأزمة الجديدة في انتخاب رئيس المجلس تعود لأكثر من سبب، منها أولا ضعف مكانة مكارثي. رغم أن اغلبية الجمهوريين صوتوا له؛ ثانيا الأزمة العميقة داخل الحزب بين الجناحين المتطرف والمعتدل؛ ثالثا تأثير سياسات الرئيس ترامب وحلفائه داخل الحزب؛ رابعا عدم طرح تيار الأفنجليكان بديلا مقنعا أيضا؛ خامسا الأداء الضعيف للجمهوريين في الانتخابات النصفية.

وكان الجمهوريون تعهدوا باستخدام السلطة المضادة، من خلال إطلاق سلسلة من التحقيقات مع الرئيس الأميركي السابق، عنوانها الأول تركز على فشله في معالجة أزمة وباء “كوفيد 19″، وغيرها من القضايا، مثل اقتحام أنصاره للكونغرس، وغيرها من الأزمات، التي هددت وحدة ومكانة الحزب الجمهوري، وما زالت حسب تقديرات العديد من المراقبين الأميركيين.

وخلال جولات الحوار مع خصومه الترامبيين، سعى كيفن لتجسير المسافة معهم من خلال تقديم ضمانات لتعديل موقفهم من انتخابه، وتجاوزا لعرقلة توليه رئاسة المجلس، وخشية عدم تمكنه من تفادي عقدة 2015 عندما فشل بفارق ضئيل في أن يصبح رئيسا لمجلس النواب. بيد أن حدود مناورته كانت أيضا محدودة، لأنه لا يستطيع الذهاب معهم بعيدا في توجهاتهم، كما لا يستطيع الابتعاد عن تياره المعتدل والمؤيد له.

ومع أن حدود مناورته كانت ضيقة، تميز في نقطة قوة على خصومه تمثلت في عدم وجود منافس قوي، وبقي التداول محصورا باسم النائب جيم جوردان، من ولاية أوهايو، مع أن حظوظه ضعيفة، ما سهل أخيرا عليه تجاوز عنق الزجاجة والوصول لسدة رئاسة المجلس بـ216 صوتا، أي أقل بصوتين من العدد المطلوب لفوزه.

مع ذلك ستبقى الولايات المتحدة تعاني من التجاذب بين الجمهوريين والديمقراطيين. لا سيما أن الجمهوريين حصلوا على الأغلبية في مجلس النواب، ولكنهم فشلوا في الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبقيت بيد الديمقراطيين، وهذا بدوره سيصعب الأمر على المجلسين من تمرير مشاريع القرارات الكبرى مثل الموازنات. كما لن يتمكن الجمهوريون من مساءلة الرئيس جو بايدن.


اقرأ|ي أيضاً| بعد 15 جولة تصويت.. الجمهوري كيفين مكارثي رئيسا لمجلس النواب الأمريكي


وكما هو معروف فإن رئيس مجلس النواب يحتل المركز الثالث من حيث الأهمية بعد الرئيس ونائب الرئيس، وفي حال شغور المركزين يتولى هو الرئاسة. لكن هذا يحتاج إلى رئيس مجلس نواب يملك الكاريزما والأهلية السياسية لذلك، وعلى ما يبدو مما جرى، إن مكارثي لا يملك هذه المواصفات، وبالتالي ليس سهلا عليه بلوغ ذلك الهدف.

أضف إلى أن الديمقراطيين نأوا بأنفسهم عن التدخل في انتخاب الجمهوريين رئيسا لمجلس النواب، مع أنه كان بإمكانهم أن يتدخلوا بشكل غير مباشر في التأثير بإطالة أزمة مكارثي خاصة والجمهوريين عامة. لكنهم لم يفعلوا.

في كل الأحوال الأزمة الجديدة ليست وليدة اليوم، إنما هي امتداد لكل الأزمات العميقة التي تعيشها الولايات المتحدة، وتعكس ترهل الحياة الحزبية في الحزبين، الأمر الذي يفرض على القوى الجديدة والباحثة عن دور في صناعة السياسة الأميركية، وإخراجها من التداول البائس بين الجمهوريين والديمقراطيين اقتناص الفرصة للصعود إلى مسرح الحياة السياسية، والتقدم خطوات نوعية للأمام.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى