مقالات

وينسلاند أساء لمكانة المنسق

وينسلاند أساء لمكانة المنسق

شعاع نيوز – الكاتب: عمر الغول – لا أضيف جديدا، عندما أقول إن كافة موظفي الأمم المتحدة، بدءا من الأمين العام وانتهاء بآخر موظف مهمتهم الأساسية، التي لا يجوز أن يحيدوا عنها، تتمثل في تمثيل المنظمة الأممية حيثما كانوا وفقا لروح القوانين والنظم والمعاهدات والمواثيق الدولية بشكل عام، والالتزام بالقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن، أو أي منظمة منبثقة عن هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة بهذا الملف أو تلك القضية، وعدم الخروج عنها، أو تجاوز حدود مسؤولياته الأممية. كما لا يجوز لأي موظف دولي، ومهما كانت صفته خرق القواعد الناظمة لعمله، أو نسيان نفسه، وكأنه فوق القانون، وليس من حقه التطاول والإساءة للشخصيات الحكومية أو الاعتبارية في هذا البلد أو ذاك.

وتجربة الشعب الفلسطيني مع ممثلي الأمم المتحدة طويلة وعميقة، وتمتد على مدار أعوام النكبة الناجمة عن قيام دولة الاستعمار الإسرائيلية في عام 1948 على أنقاض تشريد وطرد وتهجير أصحاب الأرض والوطن الفلسطيني إلى المنافي، أي تقريبا منذ تم تأسيس الهيئة الأممية، وهي على تماس مباشر مع قضيتهم ونكبتهم، وساهمت بقسطها في تنفيذ صك الانتداب البريطاني الأميركي الأممي الإجرامي رضوخا لمشيئة وسطوة القوى الرأسمالية الغربية فيها المتناقض مع حق تقرير المصير للشعوب، ومواثيق وقوانين المنظمة الدولية نفسها، وللأسف مع عدم اعتراض، أو تحفظ القوى الأخرى ذات النفوذ، وتواطؤ وتساوق قوى إقليمية مع أصحاب المشروع الصهيوني.

بعيدا عن تفاصيل القضية الفلسطينية وخلفياتها وتعقيداتها ومأساتها القائمة حتى يوم الدنيا هذا، فإن ممثلي الأمم المتحدة المتعاقبين في معظهم تعاملوا بروح المسؤولية مع قضية الشعب الفلسطيني، والتزموا بالمعايير الأممية، وتمثلوا دورهم، كما يليق بمكانتهم الدولية، ولم يسقطوا أهواءهم، أو نزعاتهم على الواقع، وحرصوا على عكس مأساة الشعب الفلسطيني كما هي، ولم يذعنوا للحسابات الصغيرة، ولا قبلوا الرشوة من دولة الاستعمار الإسرائيلية، أو حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، ودونوا مواقفهم بجدارة.

قلائل، وعدد محدود جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من جانبوا الصواب، وسقطوا في اختبار النزاهة والشفافية والمسؤولية الملقاة عليهم من ممثلي الأمم المتحدة في فلسطين، ومنهم النرويجي تور وينسلاند، المنسق الأممي الحالي، الذي حاول مسك العصا من المنتصف بين الضحية والجلاد، ولم يرق لمستوى المسؤولية في تقاريره الأممية المرفوعة لمجلس الأمن الدولي، أو للأمين العام، حيث ساوى بين الدولة القائمة بالاستعمار وبين شعب فلسطين الواقع تحت نير الاستعمار الصهيوني منذ عام 1948، والذي تعمق في أعقاب حرب حزيران/ يونيو 1967. وتقوم دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية يوميا بارتكاب جرائم حرب متعددة، وبأشكال مختلفة من القتل للأبرياء في الشوارع والميادين وعلى الحواجز، وعلى مدار الساعة خاصة باقتحاماتهم لمنازل السكان دون معايير قانونية لاعتقال الأطفال والنساء والشباب وحتى الشيوخ، فضلا عن التخريب والإرهاب المنهجي، الذي ينفذه ضباط وجنود الدولة الخارجة على القانون، وحماية قطاع الطرق من المستعمرين الذين يمارسون أبشع الانتهاكات ضد أبناء الشعب ومزارعهم وسياراتهم وأماكن عبادتهم، وتنفيذ الاجتياحات دون سبب للمدن الفلسطينية عموما والقدس العاصمة خاصة وأحيائها الستة بقيادة النائب الفاشي إيتمار بن غفير، زعيم “القوة اليهودية” لتعميق عملية التطهير العرقي، وفي المخيمات الفلسطينية، خاصة في جنين ونابلس والخليل وغيرها من المدن الفلسطينية، وحدث ولا حرج عن التهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية، واقتحامات المستعمرين للمسجد الأقصى لفرض التقسيم الزماني والمكاني، وعدم الالتزام بأي من قرارات الشرعية الدولية، ورفض خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وتبديد عملية السلام من خلال المزاوجة بين تلك الجرائم وسن قوانين الأبرتهايد والفصل العنصري ومصادرة أبسط حقوق الإنسان لأبناء الشعب الفلسطيني.

وتجاهل تور وينسلاند حق الشعب الفلسطيني، الذي كفله القانون الدولي باستخدام أشكال النضال كافة للدفاع عن حقهم في الحياة، وهذا ما نص عليه القرار الأممي 3236 الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، الذي دعا إلى ممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة، بما في ذلك “الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي”، وحقه “في الاستقلال والسيادة الوطنيين”، و”حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُردوا منها، واقتلعوا منها”. وهناك مئات القرارات الأممية، والتي تجاوز عددها الـ950 قرارا، وجميعها أكدت حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس أمام جرائم الاستعمار الصهيوني الوحشية.


اقرأ\ي أيضاً| وينسلاند: عنف المستوطنين ساهم في تدهور الأوضاع في الضفة الغربية


لكن المنسق تور، لا يرى تلك القرارات، وأغمض العين عنها، ولهذا تقاريره جاءت مبتورة، ولا تتمثل قرارات الشرعية الدولية، ودائما تساوي بين الغاصب والمستعمر الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وبين الشعب الواقع تحت نير الاستعمار، فجاء في أحد تقاريره الأخيرة والمجحفة، وغير المسؤولة الآتي، بعد أن تحدث عن بعض ممارسات وانتهاكات إسرائيل، تطرق “لمقتل أربعة مدنيين إسرائيليين وعامل أمن إسرائيلي وإصابة 22 مدنيا و20 من قوى الأمن من بينهم خمس نساء على يد فلسطينيين في عمليات إطلاق نار وطعن واشتباكات وإلقاء حجارة أو زجاجات حارقة”. ولنلاحظ النقاط الأساسية التي جانب فيها المنسق الأممي القانون الدولي، فأولا لا يجوز تحت أي اعتبار المساواة بين الضحية والجلاد؛ ثانيا رجال الأمن العام الإسرائيليون، هم جنود قتلة يمارسون البطش والقتل ضد أبناء الشعب الفلسطيني؛ ثالثا النساء اللواتي ورد على ذكرهن مجندات في جيش الموت الإسرائيلي، وذكر الجندر هنا، أراد منه التحريض على الشعب الفلسطيني، وليس التوصيف؛ ثالثا حق المقاومة للشعب الفلسطيني، كما أوردت سابقا مكفول، كفله القانون الدولي دفاعا عما تضمنه القرار 3236؛ رابعا لا يجوز من حيث المبدأ إيراد إلقاء الحجارة ولا زجاجات المولوتوف على جنود الاستعمار الإسرائيلي المدججين بالأسلحة والدبابات والمدرعات والمجنزرات والصواريخ والطائرات وكل أسلحة الموت، وكأنها “سلاح فتاك”؛ لأنها أبسط وسائل الدفاع عن النفس، وتدخل في دائرة أساليب المقاومة السلمية الشعبية؛ خامسا تساوق تماما مع المقولات الإسرائيلية الاستعمارية للتحريض على الشعب الفلسطيني؛ سادسا زيارة المحافظات الفلسطينية واللقاء بالمسؤولين الفلسطينيين تتم وفق المعايير الدبلوماسية، وليست فلسطين حاكورة سائبة بلا حراس. هذا استهتار غير مسبوق، وغير مسؤول، وينم عن تصرفات مرفوضة فلسطينيا وأمميا.

باختصار لا أريد أن أذهب أبعد مما أشرت إليه، على المنسق الأممي، تور وينسلاند، إن شاء أن يكون مقبولا وممثلا حقيقيا للأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، أن يلتزم بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، وألا يتجاوز مسؤولياته المعروفة لديه ولدى القيادة الفلسطينية، ويكون أمينا في نقل الحقيقة، ودقيقا في وصف المشهد، ويكف عن المساواة الباطلة بين الضحية والجلاد.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى