مقالات

رغم المأساة.. الحقيقة الفلسطينية ستنتصر

شعاع نيوز-قد تكون اللحظة الراهنة قاسية، فيها قدر كبير من الظلم وتبدو فيها القضية الفلسطينية في خطر حقيقي، ولكن المسعى الإسرائيلي المتكرر لطمس الحقيقة الفلسطينية لن يفلح ومصيره هذه المرة الفشل ايضا. هناك تقديرات بأن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، وبحجة القضاء على حماس، هو محاولة لاخراج الشعب الفلسطيني من المعادلات السياسية وإعادة القضية الفلسطينية الى مربع النسيان والإهمال، تماما كما كان عليه الوضع بعد نكبة العام 1948.

وما تعتقده إسرائيل انها تحظى بفرصة نادرة للقيام بذلك بعد ان هبت الدول الغربية لنجدتها ودعمها بما تقوم به، فرصة تشبه الى حد كبير تلك التي حظيت بها الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية، اثر التعاطف الدولي شرقه وغربه في حينه بعد ما ارتكبته النازية من جرائم ضد اليهود خلال الحرب، الأمر الذي نجحت الحركة الصهيونية في تأسيس إسرائيل على انقاض الشعب الفلسطيني بعد أن قامت بأبشع عملية تطهير عرقي، شردت خلالها 900 ألف فلسطيني ودمرت وأحرقت 500 قرية وبلدة فلسطينية وتم شطب فلسطين من خريطة الشرق الأوسط.

اليوم تكرر إسرائيل الجريمة ذاتها وتقوم بتدمير قطاع غزة وبعملية تطهير عرقي امام اعين العالم ولا نجد من يحاول إيقافها بشكل فاعل. الطلب من اكثر من مليون فلسطيني مغادرة منازلهم والانتقال جنوبا هو مقدمة لدفع المواطنين الفلسطينيين تدريجيا الى خارج حدود فلسطين بالتزامن مع تدمير القطاع بشكل كامل بحيث يصبح منطقة غير صالحة للحياة لفترة طويلة، مما قد يؤخر عودة من تم تهجيرهم وخلال ذلك يحاولون المغامرة وركوب البحر بحثا عن مأوى، أو تسهيل هجرتهم الى بعض الدول.

اننا نواجه نكبة لا تقل فداحة عن نكبة العام 1948، ويجري خلالها كما ذكرت اخراج القضية الفلسطينية برمتها من المعادلة السياسية، هذا ما قد يحدث اذا تركت إسرائيل تكمل حربها الهمحية على القطاع، وتواصل قتل الفلسطينيين في الضفة ايضا بينما ينشغل العالم بما يجري في قطاع غزة. من الواضح ان المستهدف هو الحقيقة الوطنية الفلسطينية، ألا يعود يتحدث احد عن شعب فلسطين بأنه شعب له حقوق وطنية مشروعة، وان له حقا بالأرض وممارسة تقرير المصير عليها.

الا ان هذا الوهم الذي يعشش في عقل الصهيونية، الذي لم تتنازل عن مقولتها العنصرية “ارض بلا شعب”، لقد اصابها بعد النكبة واعتقدت انها اجهزت على الشعب الفلسطيني وصفت وجوده وأخرجته من كل الحسابات. ولكن بعد مضى 15 عاما انطلقت الثورة الفلسطينية واسقطت كل الرهانات الصهيونية وأعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة ووضعتها على جدول الاعمال الدولي.

وعلى امتداد اكثر من قرن من الصراع فشلت الحركة الصهيونية ومن ثم إسرائيل من طمس الحقيقة الفلسطينية، والسبب بسيط ان فلسطين هو الاسم التارخي لهذه الجغرافيا من النهر الى البحر، والشعب الفلسطيني هو من عاش فيها على امتداد آلاف القرون ولا يمكن انتزاعه منها او فصل علاقته بها، والدليل ان تمسكه لم يضعف وتضحياته تتواصل من اجل بقائه على ارضه. وفي كل معادلة الصراع فإن الشيء المحرض للعنف والكراهية والحقد هو الصهيونية وادعاءاتها واصرارها على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني. قبل الصهيونية كان الشعب الفلسطيني بكل فسيفسائه الدينية متصالحا مع نفسه وتاريخه ويعتبر كافة الأديان جزءا من تراثه وتراث فلسطين الطبيعي، هذه المعادلة التعايشية النموذجية ضربتها الصهيونية ومن ثم إسرائيل التي هي دولة احتلال وتمارس العنصرية.

ما يجري اليوم هو اثبات جديد ان الصراع مستمر وان إسرائيل التي ترفض اقامة دولة فلسطينية هي المسؤولة عن هذه الحرب وما فيها من جرائم حرب وقتل جماعي، ومسؤولة عن نتائجها الكارثية. وما بعد الحرب ستجد إسرائيل نفسها امام الحقيقة الفلسطينية مرة اخرى، وان هذه الحقيقة لا يمكن تجاهلها وإنما الاعتراف بها والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وما اثبتته التجربة ان مواصلة التنكر هو السبب لتفجر العنف في كل مرة، ليس في فلسطين وحسب بل في كل منطقة الشرق الأوسط والعالم.

بعد الحرب ستكون هناك حاجة لمعالجة جذور المشكلة، ستكون حاجة لحل سياسي لأن الحل العسكري لن يحقق الأمن والاستقرار بل سيفتح المجال لحلقة اخرى من الحروب والعنف. هناك طريق وحيد لانهاء كل ذلك بأن يفرض العالم حل الدولتين، دولة فلسطينية دون استيطان ولا مستوطنين، لأن بقاءها سيكون وصفة لمواصلة العنف.

السؤال: هل إسرائيل ستكون مستعدة لقبول الحقيقة الفلسطينية بعد أن تتوقف الحرب؟ نتنياهو حتى لحظة اندلاع الحرب كان لا يرفض التعاطي مع القضية الفلسطينية وحسب، بل يحاول اقناع الدول العربية بأنه يمكن اقامة سلام في المنطقة دون ان يحتاج الى انهاء الاحتلال او قبول حل الدولتين. ولكن بعد ان يزول دخان الحرب فإن نتنياهو نفسه سيرحل فهو من يتحمل مسؤولية التقصير عن ما حدث صباح يوم السبت، السابع من أكتوبر. والمرجح ايضا ان اليمين برمته سيكون الخاسر من كل ما حدث. ويأتي السؤال الثاني: هل ستقبل القيادات الإسرائيلية الجديدة بالحقيقة الفلسطينية، والعمل على حل الصراع حلا عادلا، ام ستواصل السير على خطا نتنياهو؟ لا يمكن التنبؤ بهذا الجواب الآن وفي خضم الحرب ولكن المنطق يقول لا مناص لاسرائيل من الاعتراف بالحقيقة الفلسطينية، كما ان واشنطن التي قدمت كل الدعم لإسرائيل، هل ستطالب إسرائيل بدفع ثمن سياسي؟ وماذا سيكون شكل هذا الثمن؟ وحتى ذلك الحين نحن بحاجة ان نتصرف بذكاء وحكمة كبيرين، وان نمتلك تحالفات تمنحنا القوة، وبالاساس ان نكون نحن أقوياء وصلبين.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى