مقالات

ما يجري مع الأونروا مريب

شعاع نيوز – الكاتب باسم برهوم –ثمة أسئلة قد تبدو أنها خارج السياق الراهن، الأول، مسؤولية مَن أن تستمر قضية اللاجئين الفلسطينيين أكثر من 75 عاما دون حل؟ الثاني، لماذا تم قبول عضوية إسرائيل في الامم المتحدة على عجل عام 1949 بعد اشهر قليلة من صدور القرار رقم 194، الذي ربط بين قبول عضويتها بتنفيذها لهذا القرار الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم؟ والسؤال الثالث لماذا كان الغرب في الخمسينيات من القرن العشرين يبحث في مشاريع لتوطين هؤلاء اللاجئين في دول عربية وغيرها بدل ان يعمل على اعادتهم الى وطنهم؟ والسؤال الاخير، لماذا دعا الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الى الغاء الأونروا في مطلع عام 2018 وأوقف كل اشكال الدعم لها وطالب الدول الاخرى بالقيام بالامر ذاته وانهاء دور هذه المنظمة التي تقوم بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين؟

هذه الاسئلة قد تسهم في فهم الازمة الراهنة التي تمر بها الأونروا، ليست لدي معلومات غير تلك المعلنة بخصوص الاسباب التي بررت واشنطن والدول التي تبعتها قرار تجميد الدعم للأونروا، هم قالوا إن هناك موظفين فلسطينيين يعملون في غزة مع وكالة الغوث “الأونروا” قد شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر الماضي، واوضحت الوكالة من جانبها انها فصلت 17 موظفا قالت ان إسرائيل إنهم متورطون. بغض النظر عن مدى صحة او عدم صحة المعلومة، فإن القرار، وإلى جانب كونه عقابا جماعيا لحوالي 7 ملايين لاجئ فلسطيني، فإنه لا يمكن فصله عن التاريخ الطويل من الاجحاف ومخطط تصفية قضية اللاجئين، لان المجتمع الدولي لم يكن معنيا بإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين بالرغم من انه قد اتيحت له الكثير من الفرص وكانت اخرها مبادرة السلام العربية عام 2002، التي طرحت سلاما شاملا مع إسرائيل، مقابل حل عادل لكافة جوانب القضية الفلسطينية، بما فيها قضية اللاجئين.

كيف يمكن تصديق ان تجمد كل هذا الدول دعمها للأونروا في هذا التوقيت الذي فيه اكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني مشردين في ظروف كارثية وغير انسانية بالمطلق في قطاع غزة، ناهيك عن ملايين آخرين في مخيمات اللجوء، خاصة في لبنان وسوريا؟

هناك شيء لا يمكن فهمه او تبريره للخطوة التي قامت بها واشنطن والدول التي لحقت بها، وهي مجموعة اساسية في دعم الأونروا، خصوصا ان جميعها تدعي انها حريصة على تقديم الغذاء والدواء والماء وكل وسائل الحياة للمواطنين الفلسطينيين الذين جعلتهم الحرب مشردين بائسين عند الحدود المصرية بدون حماية ولا مأوى.

قد تكون الرواية الإسرائيلية بحاجة الى تحقيق، والاونروا قامت بذلك وفصلت عددا من الموظفين، وقد تكون بحاجة لمزيد من التحقيق ولكن ان يحرم ملايين البشر من الدعم والمساعدة فهو امر اقل ما يقال عنه انه غير انساني ومريب. ولكن اذا ربطنا ما يحصل بالتاريخ فعلينا ان نكون حذرين جدا، وان نستشعر الخطر على قضية اللاجئين، والاخطر ما يتعلق بمصير مليون ونصف المليون في جنوب قطاع غزة.

واذا اردنا ربط ذلك بقضيا اخرى فإن ما قد يجري هدفه تفكيك القضية وتصفية عناصرها الاساسية تمهيدا لفرض المشهد الذي يلائم وجود إسرائيل قوية بدون التهديد الدائم الذي تمثله القضية الفلسطينية، ووجود الشعب الفلسطيني الذي فشل المشروع الصهيوني في إلغائه. ربما نكون بحاجة للعودة للخطوات التي كان يأخذها ترامب دون ان يخفي نواياه، اولا، هو اتخذ قرارا بتصفية قضية القدس، عبر اعترافه بها كمدينة موحدة عاصمة “للشعب اليهودي”، ونقل السفارة من تل أبيب الى القدس. الخطوة الثانية هي تصفية قضية اللاجئين عبر تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وبالفعل اوقف الدعم المالي لهذه المنظمة الدولية، وحرضت الدول الأخرى للقيام بالخطوة ذاتها. وثالثا، صفقة القرن التي من شأنها عمليا تصفية القضية الفلسطينية من كافة جوانبها وتختزلها بكيان ضعيف غير قابل للحياة من دون الدعم الخارجي لا تمتلك عمليا اي سيادة على الارض، وتكون ضمن الأمن الإسرائيلي، اي انه كيان عن حكم ذاتي للسكان دون اي سيادة على الارض.

اكثر المتحمسين لهذا المخطط في إسرائيل هو نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي، وهم لا يزالون يسيطرون على الحكم هناك، وهؤلاء يرون فيما حصل في السابع من أكتوبر فرصة لاعادة إحياء تلك الخطوات، وان لهم فرصة في ظل عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وهو ما يجب أن يقرع الجرس الوطني الفلسطيني، ليس بخصوص قرار واشنطن وحسب، وانما السرعة التي اتخذت بها الدول الاخرى قرارها للحاق بالموقف الاميركي.

هناك حاجة أن تتلمس كافة القوى الفلسطينية الخطر وان تترك الانانية التنظيمية وتنضم في جهد وطني سياسي لمواجهة الامر. وبغض النظر عما قد تفضي اليه محادثات باريس حول التهدئة او وقف اطلاق النار، فإن المسالة الاهم هي مراقبة الخطوات التي تجري في المشهد الاوسع، كتلك التي تتعلق بالأونروا، وما يجري في القدس وفي المسجد الاقصى المغلق بوجه الفلسطينيين منذ السابع من اكتوبر، والمفتوح امام المستوطنين بالكامل. ما الذي يجب ان يحصل حتى نتوحد في وجه كل ما يحصل؟

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى