مقالات

أطفالنا… وتهجير فكرة الوطن من مستقبلنا!

أطفالنا… وتهجير فكرة الوطن من مستقبلنا!

شعاع نيوز – الكاتب: موفق مطر – من لا يرى الخطر الحقيقي الداهم على مستقبلنا، ووجودنا في صور أطفالنا الجوعى في قطاع غزة، ومشاهد صراخهم وبكائهم وتدافعهم الغريزي تحت ضغط الجوع، ونظرات البؤس والمعاناة تسبق خطواتهم الحزينة، وهم يبحثون عمن يحن أو يؤثرهم على نفسه، أو يمنحهم فرصة الحصول على بضع لقيمات دافئة من (تكية) من لا يرى ذلك فإنه إما كفيف البصيرة، حتى لو كان نظره (10/10) أو أنه لا يكترث، أو مأسور بلقطات (الأكشن) تتخذها فضائيات بعينها وسيلة لتبليد مشاعر وأحاسيس وعواطف الجمهور، والهاء الضحية (الشعب الفلسطيني) لمنعه من استطلاع ما ينتظره من مصير مجهول، فصور ومشاهد أطفالنا هذه، هي الوجه الأول والأساسي لأهداف حملة منظومة الصهيونية الدينية على شعبنا، فمستقبلنا نراه، ونلمسه مجسما ولا نحتاج لعرافين وعرافات ليكذبوا علينا كما يفعل (رؤوس حماس) أصحاب مقولة “التخطيط الاستراتيجي” الذين يدعون الجياع والنازحين الذين تختلط دماؤهم مع حفنات طحين، “للدفاع عن شرف الأمة”! بينما صور ومشاهد أطفالنا وامهاتهم وآبائهم في لحظات وداع فلذات اكبادهم، تخر من أهوالها صخور الجبال وتتفتت من الألم! فذوو القلوب المتحجرة هؤلاء، لا يعنيهم سوى أنهم هم انفسهم “بخير” ينعمون ويتنعمون في العواصم المترفة!

فقأ هؤلاء بصيرتهم بأيديهم، وراحوا يراهنون على خصوبة العائلة الفلسطينية، فالطفل الفلسطيني بنظرهم ليس أكثر من منتج مادي يعوض، أو يعاد تدويره إذا تحطم، وكل ما يفعلونه احتسابه عددا في قائمة ضحايا سياستهم وشعوذات خطاباهم، وصبيانية تخطيطهم، وسادية أعمالهم وأفعالهم، وجهلهم بطبيعة المنظومة الصهيونية الدينية العنصرية، القائمة أصلا على الردع الفتاك والمدمر، أي الابادة، فنسبة 72% من الشهداء خلال 162 يوما ليست أكثر من رقم لاستدرار التعاطف والتضامن، ولا يرونها على رأس قائمة الأهداف، التي أبادها ومسحها من الوجود جيش الاحتلال الاسرائيلي، وقد يقول قائل: إن منظومة الصهيونية الدينية العنصرية (اسرائيل) لن تنجح في الانتصار على (خصوبة العائلة الفلسطينية) لاعتبارات ثقافية بوجهيها الاجتماعي والديني، وأن الشعب الفلسطيني يتحمل (خسائر بشرية) ما لا قدرة للمجتمع الاسرائيلي على تحمله، لكن هل لدى القائل هذا اجابة على أسئلة تفرض اللحظة المصيرية، اجابات موضوعية عليها، دون حشوها بمفردات ومصطلحات الخطاب التعبوي الشعبوي.

أي شخصية سيكون عليها هذا الطفل بالغد القريب والبعيد، فهذا الطفل النازح الجائع، الذي بالكاد يجد مأوى بعد ارتقاء أرواح عائلته كلها، يبدو كمتسول في زمن التخطيط الاستراتيجي، والمقاومة التي تحمي شعبها وهي دائما بخير؟!!!


اقرأ|ي أيضاً| لماذا يتحمل الغزيون كل شر البشرية؟


كيف سيكون حال هذا الطفل وهو يرى الدمار، وجثث أبناء قريته أو مخيمه أو الحي الذي كان يقطنه في مدينته على جوانب الطرقات، تنهش من جثامينها الكلاب الضالة والقطط، كيف سيكون وهو الذي كان في أرضه وبيته متنعما بالخير.

أي شخص سيكون عليه هذا الطفل في الغد، وذاكرته تحمل تفاصيل هذه النكبة، فقد رأى بأم عينه أمه تحت الركام، ووالده مقطع الأوصال، وإخوته ينتشلهم المنقذون والمسعفون والدماء تقطر من اجسادهم الغضة، وهو يعلم أن الذين يخاطبونه بكلام يتطاير منه الشرر، عبر شاشات الفضائيات ويحضونه على “الصمود والجهاد” قد هاجروا مع عائلاتهم وحاشيتهم طوعا من البلاد، وأخذوا معهم ألقابهم ومسمياتهم السياسية، فمنهم من يسمى رئيس حماس في الداخل وهو في الواقع في الخارج، ومنهم من يسمى رئيس حماس بالخارج وهو في الواقع، لا يتقن اكثر من فن اللف والدوران في المتاهات، وفن (الخطابة الفقاعية) عن الجهاد، وحلف المقاومة، والمقدسات، والنفير، والانتصارات؟!

لا نخشى وحسب، بل نحذر، من نجاح منظومة الصهيونية الدينية في دفع (اطفالنا) جيل هذه النكبة، الى تهجير فكرة الوطن من مستقبلهم وكيانهم الانساني، رغم وجودهم على ترابه احياء، فأطفالنا قد قرأوا في كتب التاريخ والتربية الوطنية كيف حولت حركة التحرر الوطنية الفلسطينية أجدادهم اللاجئين الى مواكب ثوار ومناضلين وفدائيين وأساتذة وأدباء وأطباء ومهندسين، وكيف اسقطتهم جماعة إخوانية مضادة للوطنية بلا اكتراث لمصائرهم، في براثن منظومة صهيونية عنصرية بلا قيم، ولا تاريخ.

 

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى