مقالات

الانحطاط الأخلاقي وصفة لحرب عالمية..!!

الانحطاط الأخلاقي وصفة لحرب عالمية..!!

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – سؤال الأخلاق، بالنسبة للشعب الفلسطيني، هو سؤال لم يعد محيرا او ملتبسا، فالعالم بالنسبة له في اغلب الاوقات لم يكن اخلاقيا ولا عادلا، فالى جانب انه لم يكن له اي ذنب بما جرى لليهود في اوروبا من اضطهاد، فانه وجد نفسه يدفع ثمن تاريخ ليس تاريخه، وتعرض لنكبة اولى عام 1948، فقد خلالها وطنه وتحول الى شعب لاجئ مشرد. كما يتعرض الشعب الفلسطيني، ومنذ ما يقارب ستة اشهر الى نكبة ثانية، بل انه يواجه حرب إبادة، دون ان يقوم المجتمع الدولي باية خطوة جدية لوقفها.

عدم اخلاقية المنظومات الدولية بما يتعلق بالشعب الفلسطيني على بشاعتها، وبما فيها من ظلم، ليست هي موضوع المقال، وانما هو الانحطاط الاخلاقي الذي وصل الى درجة خطيرة تهدد فعلا السلم العالمي واحتمالات ان نصل مع هذا الانحطاط وهذا السقوط وما يصاحبه من فوضى فكرية وسياسية الى انفجار. إلى حرب عالمية تدمر الحضارة الإنسانية، ومن المؤشرات هو وصول هيئة الأمم المتحدة الى مستوى مؤلم من العجز ، وان ما يجري بمجلس الامن هو دليل على ذلك، فهذا المجلس، والذي من المفترض انه المؤسسة الدولية المسؤولة عن حفظ السلام العالمي. يمر بمرحلة من الفوضى فليس هناك من ميزان يتحكم بالامور، انه واقع يشبه واقع عصبة الامم عشية الحرب العالمية الثانية، عندما وقفت العصبة عاجزة عن وقف الانجراف نحو الحرب، ولم تفلح في اقتراح سياسات وتسويات تمنع الحرب، لانها كانت منظمة بلا مخالب.

المشكلة في كل من العصبة وهيئة الامم المتحدة ان المؤسستين تتحكم بهما الدول الكبرى. في العصبة كانت الدولتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا وبشكل اقل إيطاليا اللتين تهيمنان على العصبة، ومثلت هذه الاخيرة مجالا لتمرير قرارات لا تخدم سوى هذه الدول الاستعمارية وفرض هيمنتها على الشعوب الاخرى عبر فكرة “الانتداب”، ولم تجد الشعوب فيها سوى مكان للشكوى. الأمم المتحدة وفي عالم يشهد اليوم حربين: في أوكرانيا وغزة، لم تستطع هذه المنظمة فعل شيء لوقفهما، وتحولت الى مجرد منبر “لفشة الخلق” وتسجيل النقاط بين الدول الكبرى.

زيارة أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الى رفح المصرية مؤخرا، وما اعلنه عند بوابة الدخول الى قطاع غزة في غاية الأهمية من زاوية الموقف السياسي والاخلاقي، خصوصا عندما قال ان الشعب الفلسطيني يتعرض لعقاب جماعي غير مبرر وانه يجب وقف الحرب فورا، ولكن هذه مجرد صرخة لا يبدو أن احدا يأخذها على محمل الجد، خصوصا من الدول الكبرى. لجوء غوتيريش الى الصرخة يؤكد عجز مجلس الامن وعدم قدرته على فرض وقف لاطلاق النار، ولا حتى هدنة إنسانية لفترة محدودة. وهو ما يشير ان الأمم المتحدة مخطوفة ولا تأثير لها في فرض القانون الدولي، فبالرغم ان المجلس قد نجح في إصدار قرار خجول بوقف الحرب خلال شهر رمضان، الا ان هذا الشهر الكريم يكاد ينقضي دون ان تتوقف الحرب.


اقرأ\ي أيضاً| مصدر رسمي فلسطيني: بيان ما يسمى بـ”داخلية حماس” حول دخول المساعدات إلى قطاع غزة أمس لا أساس له من الصحة


على اية حال وان كانت حرب الإبادة الإسرائيلية تمثل نموذجا كبيرا للانحطاط الاخلاقي، فإن الخطير هو تلك الفوضى التي تسود العلاقات الدولية، والتي تخرج فيها الامور عن السيطرة يوما بعد يوم. وان الميزة الابرز للمشهد الدولي هو التسلح وتعزيز الجيوش وسباق تطوير اسلحة الدمار.

هناك توتر غير مسبوق في اقصى الشرق حول تايوان وفي المحيط الهادي بين الولايات المتحدة والصين. وهناك حرب في اوروبا مستمرة منذ عامين تستنزف اقتصاديات جميع الاطراف، وفي الشرق الاوسط، منطقة الطاقة والممرات المائية ذات القيمة الاستراتيجية الاهم في الاقتصاد والامن العالمي والحصول على اكثر تكنولوجيا الدمار تطورا، اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة لكن لها امتدادات على مساحة المنطقة من العراق الى لبنان وجنوبا الى اليمن، ان اي حسابات خاطئة في كل هذه الازمات قد تأخذ البشرية الى حرب عالمية ستكون اكثر وحشية وتدميرا من اي حرب أخرى عبر التاريخ.

المشكلة في كل ذلك هي ان الدول الكبرى لم تعد تكترث لا للبعد الاخلاقي ولا للقانون الدولي في صراعاتها، وكأن ذاكرة البشرية قد نحت دروس وعبر الحرب العالمية الثانية، عندما اسست الأمم المتحدة واقرت القانون الانساني وطورت ضوابط لمنع الانزلاق مجددا نحو الحرب. لطالما تم الحديث عن اصلاح الامم المتحدة، وتغيير قواعد اللعبة خاصة احتكار خمس دول للفيتو وحرمان ثلثي العالم من هذا الاحتكار.

فالسؤال هنا من يوقف هذا الانحدار الاخلاقي المخيف؟ فإن لم تكن حرب الابادة في غزة فرصة لاستعادة البعد الاخلاقي فمعنى ذلك ان لا امل من منع الانحدار نحو حرب عالمية تدمر الحضارة.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى