ذكريات ترتبط بيوم الأرض

ذكريات ترتبط بيوم الأرض
شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – في 30 آذار 1976، كنت ادرس في جامعة بغداد. كنت في حينها شابا شيوعيا متحمسا، لكن الوطني في صدري كان هو الاكثر توقدا، مع ذلك كنت فخورا عندما سمعت ان الرفاق الشيوعيين الفلسطينيين من حزب “ركاح” هم من يصنعون هذه اللحظة التاريخية، التي ساهمت اكثر فأكثر في تعزيز هوية الشعب الفلسطيني الوطنية وووحدته وارتباطه بأرض وطنه. وكان الحدث استثنائيا لأن من صنعه هم أولئك الجزء الذي كان إلى حد بعيد منسيا من الشعب الفلسطيني، الذي بقي صامدا على ارضه خلال حرب العام 1948، وهو الجزء الذي هب فجأة ليعلن عن وجوده ويعلن انتماءه لهويته الوطنية. لقد حرك يوم الأرض في داخلي واكد لي ان البعد الوطني هو اولوية الأولويات على ما سواه، وكنت سعيدا في حينها ان الشيوعيين الموجودين داخل بطن الوحش الصهيوني هم من ابدعوا في الربط بين الفلسطيني وذاته الوطنية وبينه وبين أرض وطنه، وخصوصا حزب “ركاح” الذي كان المتنفس الوحيد للتعبير عن الوطنية الفلسطينية. في ذلك العام، اذكر اننا نظمنا بالتنسيق مع حركة فتح وباقي الفصائل الفلسطينية المسيرات التضامنية، ونظمنا حلقات النقاش، لنكتشف ان هذا الجزء المنسي من الشعب الفلسطيني، هو من أعطانا رموز ثقافتنا الوطنية محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، والروائي الفذ إميل حبيبي صاحب رواية المتشائل، واعطانا اميل توما وغيرهم، لنجد ان إسهامهم في الثقافة الوطنية اهم واعمق.
قبل يوم الأرض بحوالي ثلاث سنوات، زار محمود درويش بغداد، وفي ندوته الشعرية في قاعة الخلد صاح الجمهور بأن يتلو قصيدة “سجل انا عربي”، فرد عليهم درويش: “هنا في بغداد أقول سجل انا فلسطيني” هناك، وكان يقصد إسرائيل، اقول سجل أنا عربي، أما هنا في بغداد اقول سجل انا فلسطيني، للتعبير عن الهوية الوطنية الخاصة للشعب الفلسطيني، فصفق له قسم من الجمهور بحماسة، والقسم الآخر عبر عن استهجانه لأنه لم يفهم أهمية ان يعبر الشعب الفلسطيني عن هويته الخاصة في صراعه مع الصهيونية.
في الذكرى الأولى ليوم الارض، في الثلاثين من العام 1977، خرج الفلسطينيون في مختلف العواصم العربية والعالمية للتعبير عن وحدتهم، اذكر كم كان شعور الرئيس الراحل ياسر عرفات بالفرح، لأن الوطنية الفلسطينية قد تجسدت بأروع صورها وبالارتباط بالأرض.
لا أدري ان كان من صنع يوم الأرض، من صنع تلك اللحظة التاريخية التي هبت فيها جماهير الداخل دفاعا عن الارض، لا أدري ان كان في وعيهم ان ما صنعوه سيوحد الشعب الفلسطيني كما لم يكن من قبل، وان يجسد يوم الأرض انتماء كل فلسطيني لهويته الوطني. لقد سرت في حينه في اوساط الفلسطينيين مقولة “إن ما بعد يوم الأرض ليس كما قبله”، لقد شعر قادة منظمة التحرير الفلسطينية، ان كفاحهم قد بدأ يحصد النتائج وها هو اليوم الشعب الفلسطيني موحد وينتمي لهويته الوطنية، التي كاد المخطط الصهيوني وغير الصهيوني، بعد النكبة، يطمسها إلى الابد، للمرة الأولى يلمس العالم وحدة الكفاح الوطني الفلسطيني، داخل إسرائيل، وفي الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وفي الشتات.
اقرأ\ي أيضاً| الأرض والشعب والمخيم… الشاهد والشهيد
في الذكرى الثانية ليوم الأرض كنت قد اصبحت محررا في جريدة ومجلة فلسطين الثورة في بيروت، المجلة الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، هناك اختلطت علي الأمور قليلا وتساءلت ان كنت ذلك الوطني الفلسطيني في الحزب الشيوعي، أم الشيوعي في الحركة الوطنية الفلسطينية، مع الوقت ادركت ان الوطني والاجتماعي يمكن ان يسيرا معا، ومع ذلك تغلب في داخلي الوطني على ما عداها. في جريدة ومجلة فلسطين الثورة كانت تصلنا بين وقت وآخر جريدة “الاتحاد” الحيفاوية، الناطقة باسم حزب “ركاح” الشيوعي، باسم الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، لم تكن الاتحاد غريبة بالنسبة لي فقد زرت مقرها في حيفا مطلع السبعينيات قبل ان افقد بطاقة الهوية المقدسية بسبب قوانين دولة الاحتلال للتطهير العرقي، كانت الجريدة في ذلك الوقت المنبر لكل المثقفين الفلسطينيين داخل الخط الاخضر، منبر الوطنية الفلسطينية، منبرا للعقول النيرة، المؤمنة بأهمية السلام والتعايش على اساس المساوة والحق بتقرير المصير.
مع كل ذكرى ليوم الأرض كانت تتعزز لدي فكرة وحدة الكفاح الوطني الفلسطيني، وان كل جزء يكمل الأجزاء الاخرى، وأن كل مرحلة كانت احد فروع النضال وتعطي دفعة للفروع الاخرى، لو لم تكن تجربة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير قد بلغت ذروتها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي خصوصا بعد اعتراف العرب والعالم ان المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لم نكن لنرى يوم الأرض بهذه الرمزية، وهذه الاهمية، ولما كنا لاحقا شهدنا الانتفاضة الأولى عام 1987، التي مثلت رافعة وطنية مهمة في حينها للكفاح الوطني الفلسطيني برمته.
أشعر اليوم بالحزن لان يوم الأرض لم يلق الاهتمام الكافي بسبب الظروف، ولكن الشعب الفلسطيني وعلاقته مع أرض وطنه التاريخي، قد نضجت وتعمقت جذورها، وأشعر بالحزن اكثر لما تلقاه منظمة التحرير الفلسطينية من حملات تشكيك، فإذا كانت المنظمة بحاجة للإصلاح وإعادة البناء، فهذا لا يعني ان نهدمها بأيدينا، وتصبح هي ونحن ضحايا التضليل والتلفيق.