الرئيس.. والعقلانية والواقعية والجرأة في الدائرة الصريحة

شعاع نيوز – الكاتب: موفق مطر – كتب الرئيس الدكتور محمود عباس في كتابه المعنون “محطات تاريخية مرت بها القضية الفلسطينية” الصادر العام الماضي: “بعد تأميم جمال عبد الناصر قناة السويس، شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل حربا على مصر سنة 1956، جاء ذلك بعد توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 وأزمة عبد الناصر مع البنك الدولي للحصول على قرض لبناء السد العالي، جرت اتصالات مع الأمريكان فصدرت اوامر الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور بالانسحاب من سيناء وقطاع غزة في 7 مارس 1957، وجاء ذلك بعد اصرار الرئيس ايزنهاور على انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية، وتلكأ بن غوريون في قبول الانسحاب، لكن بضغط من ايزنهاور وبعد صدور الأوامر الأمريكية الصارمة رضخ، وقام بالانسحاب باكيا”.

وكان الرئيس قد تحدث بتفصيل عن مكالمتين هاتفيتين بين ايزنهاور وبن غوريون، حيث امره في الأولى بالانسحاب فورا، وبعد تلكؤ بن غوريون، عاد اليه الرئيس الأميركي وقال له: سأعود اليك بعد ساعة لتخبرني ان قواتك قد بدأت الانسحاب فعلا، ويشير الرئيس ابو مازن الى مذكرات بن غوريون التي أكد فيها الواقعة التاريخية، وانعدام قدرته على رفض أوامر الرئيس الأميركي، فأقر بالحقيقة “لقد اتصلت بايزنهاور وأخبرته أننا ننسحب من سيناء وقطاع غزة وأنا ابكي”.

تبرهن هذه الوقائع التاريخية على أن سياسة (اسرائيل)، تبدأ وتنتهي بقرارات البيت الأبيض الأميركي، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الأميركية كانت مركز الثقل في صياغة كل عبارة كتبت في (وعد بلفور) سنة 1917 كما أكدتها الوثائق التاريخية التي استند اليها الرئيس في أحاديثه في المحافل الوطنية والعربية والدولية، حول هذا الحدث التاريخي أيضا.. فالمعرفة والإحاطة بتفاصيل الأحداث التاريخية وحيثياتها ووقائعها المادية الموثقة، مفتاح العقل السياسي الوطني، لفك رموز الصراع من اجل اثبات الوجود والتحرر والاستقلال، وإدارة وخوض المعارك السياسية والدبلوماسية والقانونية، فالقضايا لا تنتصر بالتمنيات والدعاء، وتأليف أساطير كلامية فارغة، في زمن انكشاف كل شيء أمام بصر وبصيرة الناس في الدنيا، ومن زاوية التعريف الفلسطيني للواقعية، المرتكزة على التمسك بالثوابت والمبادئ، يمكننا رؤية أبعاد رسالة رئيس دولة فلسطين لنظيره الأميركي دونالد ترامب، عقب ايقاف اطلاق النار بين اسرائيل وإيران، حيث استذكر شجاعته بضرورة وإيقاف الحرب على قطاع غزة، وتحقيق وقف اطلاق النار فورا وبشكل دائم، وجدد التأكيد في نصها على: “استعدادنا الكامل للعمل مع الرئيس ترامب ومع المملكة العربية السعودية، والدول العربية والإسلامية وشركائنا الأوروبيين، للتفاوض فورا، من اجل التوصل الى اتفاق سلام شامل، وتنفيذه ضمن اطار زمني واضح وملزم، ينهي الاحتلال ويحقق الأمن والاستقرار للجميع، سلام دائم وعادل قائم على الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”.

ويكمن جوهر رسالة الرئيس ابو مازن للرئيس ترامب في هذه الفقرة: “معكم، يمكننا تحقيق ما كان يبدو مستحيلا : فلسطين معترف بها، حرّة، ذات سيادة وآمنة، وإسرائيل معترف بها وآمنة، ومنطقة تنعم بالسلام والازدهار والتكامل”.


اقر|أي أيضاً| امتياز قادة حماس بصناعة الوهم!


وعطفا على العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 نقرأ فيما كتبه الرئيس: “تجلى جمال عبد الناصر بقدر كبير من الواقعية، رغم خطابه القومي الشعبوي، فهو الذي امر جيشه بالانسحاب من سيناء وغزة الى غرب قناة السويس اثناء الحرب لأن موازين القوى على الأرض كانت لصالح قوات العدوان الثلاثي: بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل، وما كان للجيش المصري ان ينتصر في مواجهة هذه الجيوش، فأراد منع سفك الدماء، دون فائدة، وتجلت واقعية عبد الناصر بقبوله بمبادرة روجرز سنة 1969 لإيقاف حرب الاستنزاف مع اسرائيل تمهيدا للبحث عن حل سياسي”.

أما الجرأة التي جسدها عبد الناصر، فتجلت في خطابه سنة 1962 أمام اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني في قطاع غزة، فكتب الرئيس عنها: “في ذات الخطاب تحلى عبد الناصر بقدر كبير من الجرأة عندما قال بأنه لم تكن لديه خطة لتحرير فلسطين، وأن من يقول إن لديه خطة لتحرير فلسطين، فإنه يضحك على الفلسطينيين”.. ثم كتب الرئيس عن الرؤية الوطنية الفلسطينية في تلك الفترة وعن “اهمية تنظيم الفلسطينيين واعتمادهم على انفسهم، وتمسكهم بقرارهم المستقل، وهو ما تجسد بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 عندما اصبحت المنظمة، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في العام 1974″.

نستذكر هنا عبارة قالها الرئيس أبو مازن بجرأة وشجاعة في لقاء على مستوى وطني، ونعتبرها عنوانا مركزا لمنهج عمل وطني، فسيادته قد قال: “لقد اخترنا الدائرة الصريحة، ولم ولن ندخل الدائرة المريحة” فالخطاب والتنظير الرغبوي الانفعالي من أسهل أساليب التحلل من المسؤولية التاريخية، أما العقلانية وما تتطلبه من رؤى لحلول واقعية، تطرح للناس بجرأة ومصداقية، وإخلاص في العمل لتحقيق الأهداف، ارتكازا على ثوابت، فهذه تتطلب الصبر كأيوب، والعمل بدأب وإيمان كنوح لبناء سفينة الأمان، والديمومة على الأرض بسلام”.

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى