مقالات

الصهيونية فشلت في إسكات التاريخ الفلسطيني

الكاتب: باسم برهوم/ شعاع نيوز: ثمة حقيقة، تمثل إحدى أهم خلاصات الصراع الفلسطيني الصهيوني، هي أن هذه الأخيرة قد فشلت في إسكات التاريخ الفلسطيني، برغم ما لديها من جبروت، وجيش من المستشرقين وعلماء الآثار التوراتيين، وتاريخ متخيل، في الوعي الغربي، مستندة إلى أساطير العهد القديم “التوراة”. المؤرخون الفلسطينيون، في العقدين أو الثلاثة الأخيرة، فهموا تاريخ فلسطين، وفهموا هويتها الثقافة التعددية، على نقيض الرواية الصهيونية الاقصائية ومؤريخيها. لقد رأى المؤرخون الفلسطينيون الجدد، أن فلسطين الموجودة منذ العصور القديمة تميزت بتعدديتها الثقافية والدينية، وبالمرونة والتسامح وقبول مبدأ تعدد الثقافات والأديان، واستيعاب حتى الأديان والحضارات الوافدة، وإن فلسطين قبل أن يأتيها المشروع الصهيوني الأوروبي الاستعماري، كان المواطنون الفلسطينيون متعددي الأديان مسلمين ومسيحيين ويهود، وكان الجميع يعيش بحالة وئام يعترف أحدهم بحقوق الآخر.

الصهيونية المستندة إلى تاريخ متخيل، هي وليدة موجة الاختراعات القومية الإمبريالية في أوروبا، بالإضافة إلى كونها استيطانية. من هنا تطلب اختراع القومية الصهيونية، إسكات التاريخ الفلسطيني، وإخراجه من المسار القادم من الماضي إلى المستقبل، فتأسست إسرائيل كدولة تطهير عرقي اعتقدت أن إخراج غالبية الشعب الفلسطيني عن أوسع مساحة من فلسطين (78%) سيحقق له هدف إلغاء فلسطين وإسكات تاريخ الشعب الفلسطيني وطمس هويته التعددية ثقافيا ودينيا.

ولم تتوقف الصهيونية الأوروبية الاستيطانية عند حدود محاولة إسكات التاريخ الفلسطيني، بل هي نزعت اليهود العرب والشرقيين من تاريخهم، واعتقدت أنها بعد هذا “النصر المبين” بالفعل نجحت، لكنها اليوم، وبالرغم من كونها دولة تمييز عنصري في نظر معظم المنظمات الحقوقية في العالم، فإن التعددية الثقافة والدينية، التي هي من أهم سمات فلسطين التاريخية قد فرضت نفسها مجددا من البحر إلى النهر. كما فرض علم الآثار الحديث حقيقة أن فلسطين كانت منذ العصور القديمة كيانا جيوسياسيا موحدا، على عكس أساطير الرواية الصهيونية.

المؤرخون الصهيونيون الليبراليون اعترفوا بالتاريخ الفلسطيني، لكنهم جعلوه ملحقا بتاريخ إسرائيل، تاريخا هامشيا لا يعكس الواقع، فقد استخدم هؤلاء المؤرخون، مصطلح تاريخ “إسرائيل- فلسطين”. ومؤخرا اضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بالتاريخ والتراث والثقافة العربية لليهود العرب. إن أي حديث عن سلام يجب أن يبدأ من الاعتراف بالتاريخ الفلسطيني، ومن كون فلسطين هي الاسم لهذه المنطقة الجغرافية من العالم، التي كانت كذلك منذ بدأ الإنسان بتسجيل تاريخه، والأهم الاعتراف بهوية فلسطين التعددية ثقافيا ودينيا كما كانت قبل الصهيونية.

لقد فشلت إسرائيل الصهيونية في إسكات التاريخ الفلسطيني، لأن تاريخ الأمم ببساطة واضح وساطع كالشمس، لا يمكن حجبه بغربال من التزوير والانتقائية التاريخية أو وضع الأسطورة محل الحقيقة والواقع. كما فشلت الصهيونية لأن الشعب الفلسطيني صمد على أرضه وتمسك بهويته التي صاغها عبر آلاف السنين، صحيح أن إسرائيل تملك كل أدوات القوة والدعم الإمبريالي إلا أنها تقف اليوم هشة أمام الحقيقة الفلسطينية. منذ دون أبو التاريخ “هيرودوت” اسم فلسطين في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو تدوين يعكس ما كان عليه الواقح منذ أكثر من 1200 ق.م، هو تابع تناوله لفلسطين ومدنها العامرة كما تناولها الفراعنة المصريون في زمن رمسيس الثاني والثالث، والآشوريون، وجميع هؤلاء عرفوا المنطقة الجغرافية من الناقورة شمالا إلى رفح جنوبا بأنها بالستة أي باليستينة- فلسطين. واستمر اسم باليستينة مع الرومان ومن ثم الإغريق، إلى أن جاء الحكم العربي وأخذت لفظها النهائي فلسطين، وكما قال الشاعر محمود درويش، “كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين”.

وبحكم هذا التاريخ لم يكن صدفة أن تحتل فلسطين قلب خريطة سايكس- بيكو الاستعمارية، تماما كما أخذت سوريا والعراق ولبنان اسماءها، وما إسرائيل سوى الاسم المستعار من الأسطورة لمشروع استعماري أوروبي، فهو مشروع وغالبا ما يهزم الواقع والحقيقة المشروع.


اقرأ/ي أيضاً| مشروع غانتس.. المراوغة الصهيونية ذاتها

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى