مقالات

سوناك.. لحظة تاريخية بريطانية فارقة لكنه ليس أوباما

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – ذكي وثري ميزتان تكفيان لأن يصبح ريشي سوناك رئيسا لوزراء بريطانيا العظمى، فالدولة الرأسمالية الأقدم والديموقراطية الأعرق في العالم سجلت لنفسها نقطة إيجابية إضافية على طريقتها، هو مؤهل والدولة مؤهلة لهذا التطور أن يصبح بريطاني من أصول هندية رئيسا للوزراء. حدث الأمر ذاته عندما انتخبت الولايات المتحدة عام 2008 أول أميركي من أصل أفريقي الرئيس باراك أوباما.

سوناك لم يضع نفسه في التاريخ، لكنه أيضا أزاح عقد التاريخ لدولة شيدت عظمتها على الاستعمار وازدراء الشعوب الأخرى، وفي مقدمتهم الشعب الذي تعود أصول رئيس الوزراء الجديد إليه. بهذا الاختصار يمكن القول إن سوناك وبريطانيا صنعا معا نقلة تاريخية سيتناولها الخبراء والمؤرخون بالتحليل لسنوات عديدة قادمة.

ربما يقول البعض إن رفاق سوناك في حزب المحافظين قد قذفوا بزميلهم، من لون مختلف، في فوهة جحيم الأزمة المالية ليحترق، لكن هذا الرجل على ما يبدو يعرف ما يريد وإلا لما وصل إلى “١٠ داوننغ ستريت” مكتب رئاسة الحكومة البريطانية. إنه من ذلك النوع الذي يعرف من أين تؤكل الكتف وتفوق في ذلك على الخبث البريطاني المستعار من قرون تربع خلالها الإنجليز على عرش العالم. هو ذكي متعلم مثقف اختار نقلات حياته بدقة حتى عندما تزوج اكشاتا مورتي ابنة الملياردير الهندي، والأهم وضع نفسه في صفوف الطبقة الرأسمالية البريطانية الأكثر تأثيرا والأكثر تعفنا.

وبإمكان سوناك أن يتفاخر بأنه من جهة إنسان عصامي، نهض من عائلة مهاجرة متوسطة الحال، والده طبيب وأمه صيدلانية، ساعد والدته بتوزيع الأدوية وعمل نادلا في مطعم هندي وتعلم بأهم الجامعات البريطانية والأميركية، ومن جهة ثانية أنه بريطاني بالصميم، بل ينحاز لقوميته الجديدة ويتصرف على أنه ملكي أكثر من الملك، ويبني شعبيته لكونه من أكثر المتحمسين للخروج من الاتحاد الأوروبي Brexit، وأظهر خلال أزمة كورونا أنه منحاز لحاجات الناس عندما كان وزيرا للمالية ويكفي أن نلاحظ أنه استطاع أن يهزم كل منافسيه في حزب المحافظين اليميني، الحزب الأعرق والأكثر سيطرة على الحكم في تاريخ بريطانيا الحديث.

بعد كل ذلك يمكن أن يطرح السؤال: ما الذي يمكن أن يغيره سوناك أو يضيفه للسياسة البريطانية الخارجية؟ وجواب هنا هو من باب الواقع والتوقعات، فعلينا أن ندرك أن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها بريطانيا، هي السبب الرئيس الذي جاء بصاحب البشرة المختلفة رئيسا للوزراء، وهو يدرك أنه جاء لهذا السبب، لذلك تركزت تصريحاته الأولى على هذا الموضوع، وقال إنه يمتلك مقاربة اقتصادية مختلفة يمكن أن تنقذ الاقتصاد من حالة الانهيار. أما بما يتعلق بالسياسة الخارحية فهو سيواصل سياسة المحافظين، وبالتحديد السياسة التي انتهجها جونسون، بما يتعلق بالأزمات، الأوكرانية، والطاقة، والتبادل التجاري، كما سيواصل مسيرة الـ Brexit من دون أي تردد.

وبما يتعلق بنا كفلسطينيين، فعلينا أن ننتظر، ولكن نرجو على الأقل أن لا يبادر سونـــاك كما فعلت سابقته تراس بأن يكون إرضاء إسرائيل بالنسبة له أولوية، بالرغم أنه تلقى دعم الكتلة الصهيونية في حزب المحافظين ذاته كما تلقت تراس. لعل الأمل في أن يحافظ سوناك على السياسة التقليدية البريطانية تجاه القدس باعتبارها أرضا فلسطينية محتلة وأن لا يبادر على نقل سفارة بلاده إليها. المسألة الأخيرة في هذه السردية، هو أن علينا التعامل مع سوناك كسياسي بريطاني من صلب النخبة والطبقة السياسية بغض النظر عن لونه وأصله. فهو من حزب المحافظين، ومن الجناح الأكثر محافظة فيه، وهو بهذا المعنى ليس باراك أوباما، القادم من الحزب الديمقراطي، من خلفية سياسية ليبرالية أكثر انفتاحا على الآخر.

على أية حال، وكما هي المقولة الإنجليزية الشهيرة “دعونا ننتظر ونرى”، وبعد ذلك نقرر طبيعة التعامل مع أصغر رئيس حكومة بريطاني عمرا في التاريخ.


اقرأ\ي أيضاً| تراس تعتذر للشعب البريطاني عن «أخطائها»

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى