مقالات

قمة بايدن- تشي بينغ وتوازن المصالح

قمة بايدن- تشي بينغ وتوازن المصالح

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – بعد أن كاد الانفجار يقع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين في تايوان ومضيقها، وبعد أن حبس العالم أنفاسه من بدء حرب في شرق آسيا والمحيط الهادئ بالتزامن مع الحرب الأوكرانية، ما سيدخل البشرية في أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، عوضا عن احتمال أن تندلع حرب عالمية ثالثة تحرق الأخضر واليابس. لقاء القمة بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني تشي جين بينغ على ما يبدو قد نجح في نزع الفتيل وخفف من التوتر، خصوصا عندما أعلن بايدن أن بلاده لا تنوي الدخول في حرب باردة مع الصين.

من دون شك العالم الذي تنفس الصعداء، رحب بهذه القمة، فيكفي البشرية ما تتركه الحرب الأوكرانية من أزمات وتوترات وصلت إلى درجة التهديد باستخدام الأسلحة النووية. وخلال الصيف الماضي كان العالم على شفا وقوع حرب في تايوان، مناورات عسكرية صينية واسعة في مضيق تايوان، قابلتها مناورات وحشود عسكرية وبحرية لأميركا وحلفائها في المنطقة، كل هذا التوتر امتصته القمة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي احترام بلاده لمبدأ وحدة الأراضي الصينية المتفق عليه كأساس للعلاقات الثنائية منذ عقود.

مرت العلاقات الأميركية الصينية، التي بدأت عام 1845, بمراحل مد وجزر كثيرة، فبينما كانت الدولتان حليفتين ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، فإن الآية انعكست بعد انتصار الثورة الشيوعية في الصين بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949، ودخل الطرفان في صراع وحروب استنزاف في كوريا في مطلع الخمسينيات، ومن ثم في فيتنام منذ نهاية الخمسينيات وحتى مطلع السبعينيات من القرن العشرين، وخلال ذلك منحت الدول الغربية جزيرة تايوان، التي لجأت إليها الحكومة القومية البرجوازية الصينية عام 1949، مقعد الصين في الأمم المتحدة.

في عام 1971 كان التناقض السوفييتي الصيني قد بلغ ذروته وتغيرت مع هذا التطور قواعد اللعبة، فقام وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر بزيارة سرية إلى الصين، تلتها الزيارة الرسمية للرئيس ريتشارد نيكسون والتي وضعت حجر الأساس للعلاقات الثنائية االمعاصرة.

ومنذ عام 2014 تحولت الصين إلى منافس اقتصادي جدي للولايات المتحدة الأميركية، عندما أزاحت اليابان واحتلت المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي. ولكن وبالرغم من التنافس الاقتصادي بين البلدين فإن علاقاتهما الاقتصادية بقيت عميقة ومتشعبة ولا غنى للواحدة عن الأخرى، بل إن هذه العلاقة تعتبر إحدى ركائز استقرار الاقتصاد العالمي.

القمة بين الدولتين الأكبر اقتصاديا، هي نوع من اعتراف متبادل بموقع وقدر كل منهما على الساحة الدولية، وبما أن انتقال العلاقة من التنافس إلى التصادم سيضر بمصلحة الطرفين وبالاستقرار العالمي اختار الطرفان عبر هذه القمة أن يكون التنافس الاقتصادي حرا ولكن بعيدا عن الحرب الباردة. من هنا اعتبر كثير من المراقبين بأن القمة هي الأهم منذ استئناف العلاقات بين البلدين عام 1972، فهي قمة تكرس نظاما دوليا تحترم فيه الأطراف توازن المصالح والمبادئ الأساسية لعلاقات دولية بعيدا عن تصعيد التوترات والتلويح بالحروب.

ومن المرجح أن تساهم القمة، ليس في خفض التوتر بين واشنطن وبكين فقط، وإنما قد تفتح الطريق تدريجيا لوقف الحرب الأوكرانية والانتقال بالأزمة هناك من الصدام المسلح إلى المفاوضات. قد يستغرق ذلك بعض الوقت ولكن، ومع استحالة الحل العسكري في هذه الأزمة، فإن الطرفين الروسي والأوكراني سيكتشفان في الأشهر القليلة القادمة، وبدعم دولي، أن المواجهة الدبلوماسية هي أفضل طريق لحل الأزمة.

وإذا أدرنا القرص قليلا نحو القضية الفلسطينية، والذي تراجع التركيز الدولي عليها بسبب التوترات والأزمات والحروب في أكثر من مكان، فإن قمة بايدن تشي جين بينغ، وإذا ما نجحت في تخفيف التوترات، فإن القضية الفلسطينية قد تعود تدريجيا لدائرة الاهتمام، وإذا أعددنا أنفسنا بشكل جيد لتلك اللحظة فإنه قد تلوح فرصة أفضل لتحريك قضية مستعصية منذ أكثر من 75 عاما.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى