مقالات

حال الفلسطينيين قبل وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية

حال الفلسطينيين قبل وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم –  الأجيال الفلسطينية الجديدة قد لا تشعر بهول ما حصل في نكبة عام 1948، والسنوات القاسية التي تلتها، كما شعر بها من عاشها وعاش تداعياتها المباشرة، فالقراءة أو السمع بالشيء يختلف عمّن عاش التجربة ذاتها، وهذا أمر طبيعي يحصل في كل تجارب الشعوب. ونتيجة لذلك قد لا ترى هذه الأجيال أو تلمس بشكل حقيقي التغير الإستراتيجي في واقع الشعب الفلسطيني وواقع القضية الفلسطينية الذي حققته انطلاقة الثورة الفلسطينية في الأول من كانون الثاني/ يناير 1965، لذلك من المهم رؤية ما كان عليه حال الفلسطينيين في الفترة من النكبة وحتى انطلاقة الثورة، والتي امتدت 17 عاما، ومن ثم نرى التغيير الإستراتيجي الذي أحدثته الثورة.

كما قد لا تلمس الأجيال الجديدة أهمية الانطلاقة، لأن الثورة، وبعد 58 عاما لم تحقق كل أهدافها، وخاصة الهدف الأبرز والأهم “التحرير والعودة”، وبالتالي من الطبيعي أن تتساءل هذه الأجيال: ما أهمية هذه الثورة لنا؟ وهذا أيضا تساؤل مشروع، فمن الضروري أن يعرف الأسباب الموضوعية والذاتية لعدم قدرة الشعب الفلسطيني وثورته على تحقيق الأهداف.

والسؤال الآن: كيف كان عليه الحال الفلسطيني قبل الثورة؟

أولا: لا بد أن ندرك هول ما حدث في حرب عام 1948، وهي الحرب التي بدأت فعليا بعد إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947 القرار الذي قسم فلسطين إلى دولتين واحدة عريية، على 42.3% من مساحة فلسطين التاريخية والأخرى يهودية على 57.7%، وانتهت بتوقيع اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في ربيع وصيف عام 1949، خلال هذه الحرب قامت العصابات الصهيونية بتشريد أكثر من 900 ألف فلسطيني، يمثلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، ولكي تمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين قامت هذه العصابات بتدمير وحرق 500 قرية وبلدة فلسطينية.

ثانيا: في هذه الحرب لحقت بالجيوش العربية هزيمة كبرى، كان نتيجتها ضياع 78% من فلسطين، وما تبقى فقد تم ضم الضفة بما فيها القدس الشرقية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، كما وضعت مصر يدها على قطاع غزة، فكانت النتيجة النهائية اختفاء فلسطين عن خريطة الشرق الأوسط.

ثالثا: أما النتيجة الأخطر هي تمزيق الشعب الفلسطيني وتشريده على مساحة المنطقة والعالم، كما كان ممنوعا على الفلسطيني أن يتحدث عن هويته الوطنية، فكان الهدف إذابة الفلسطينيين في الهويات العربية الأخرى، خصوصا أن هذه المحاولات ترافقت مع انتشار خطط توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي لجأوا إليها في خمسينيات القرن العشرين.

رابعا: كانت الأنظمة العربية هي من يمسك بقرار الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره ومصير قضيته الوطنية، فهذه الأنظمة كانت قد استحوذت عمليا على القرار الوطني الفلسطيني خلال ثورة عام 1936، عندما ناشد الملوك والزعماء العرب الشعب الفلسطيني التزام الهدوء ووقف الإضراب والثورة مقابل وعد بأن يعيدوا له حقوقه من “الصديقة بريطانيا”، فقدان الشعب الفلسطيني لقراره الوطني المستقل أفقده حقه الرئيس بتقرير مصيره بنفسه، وكانت النتيجة النهائية ضياع فلسطين.

خامسا: بعد النكبة، لم يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في التعبير عن هويته الوطنية الخاصة به وحسب، بل منع من ممارسة أي شكل من أشكال المقاومة عبر حدود الدول العربية مع إسرائيل، فكان الشغل الشاغل لأجهزة المخابرات العربية وقواها الأمنية هو مراقبة نشاط الفلسطينيين ومنع قيامه بأي فعل ضد إسرائيل، كما أن كافة الأحزاب العربية، على مختلف مشاربها، كانت تتحدث عن هدف تحرير فلسطين ولكن أي منها لم يقم بخطوة واحدة بهذا الاتجاه، فالقضية الفلسطينية كانت بالنسبة لهذه الأحزاب كما هي بالنسبة للأنظمة العربية، هي مجرد ورقة للاستخدام لتحقيق أهداف خاصة بها هي وليس من بينها فلسطين.

سادسا: بدءا من عام 1950 تم شطب القضية الفلسطينية من جدول أعمال هيئة الأمم المتحدة، واقتصر بحثها كقضية لاجئين إنسانية تتولاها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فمنذ ذلك التاريخ غابت القضية عن جدول البحث الإقليمي والدولي، ولم تعد قضية للنقاش، بمعنى أن ليس هناك شعب فلسطين له حقوق سياسية، وخاصة حقه في تقرير المصير، وهو الحق الذي تتمتع به كافة شعوب العالم.

باختصار شديد، كان الشعب الفلسطيني قد فقد وطنه ومزقت وحدته وألغي وجوده كشعب، محبطا يائسا معدوما، يعيش معظمه في مخيمات من الصفيح في بيئة بائسة، مسلوب الإرادة ممنوع من التعبير عن شخصيته الوطنية أو أخذ المبادرة بأي شيء يخصه.

والسؤال الثاني: ما الذي حققته انطلاقة الثورة الفلسطينية مباشرة وبعد سنوات قليلة منها؟

اولا: أعادت الثورة فورا توحيد الشعب الفلسطيني حول هدف التحرير والعودة، وبدأ يتجرأ في التعبير عن هويته الوطنية ويقول: “أنا فلسطيني” وليس أي شيء آخر مع إصراره بأنه جزء لا يتجزأ من امته العربية.

ثانيا: حررت الثورة إرادة الشعب الفلسطيني الوطنية ولم يعد يقبل بوصاية أي طرف عليه، وأصبح هو صاحب المبادرة بما يتعلق بمصيره وشؤونه، وانتزع قراره الوطني من هيمنة الأنظمة العربية عليه.

ثالثا: استعاد الشعب الفلسطيني كرامته، وأصبح يفتخر كونه فلسطينيا، وبعد أن اتهم على نطاق واسع بتهمة كاذبة وزائفة بأنه هو من باع أرض وطنه.

رابعا: انتزعت الثورة الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية من عهد الهيمنة والوصاية عام 1968، واستطاعت فرضها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني عام 1974، وأنهت بذلك أي ادعاء من أي طرف بأنه هو من يمثل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في المحافل الدولية، كما وضعت الثورة حدا لاستخدام القضية الفلسطينية كورقة مساومة بين الحكام العرب وبينهم وبين العالم.

خامسا: أعادت الثورة الفلسطينية القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن تم الاعتقاد أنه قد تم تصفيتها تماما، وعادت القضية للبحث بشكل مكثف على جدول الأعمال الإقليمي والدولي، وتوج ذلك عندما وقف قائد هذه الثورة ياسر عرفات على منبر الجمعية العامة لهيئة الأمم عام 1974، وعادت القضية الفلسطينية كقضية سياسية وحقوق سياسية وليس قضية إنسانية لراعية احتياجات معيشية للاجئين، فقد اعتمدت الجمعية العامة سلسلة قرارات تحدد حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، وتم اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وأنها هي المتحدث باسمه في الأمم المتحدة.

لقد نجحت الثورة التي أطلقتها فتح عام 1965 في إنهاء الفصل الأكثر سوادا في تاريخ الشعب الفلسطيني، عندما اعتقدت الصهيونية العالمية والاستعمار والمتواطئون معه بأنه قد تمت تصفية القضية الفلسطينية في حرب عام 1948، وتصفية وجوده كشعب له حقوق سياسية في وطنه التاريخي فلسطين. قد يبدو هذا الإنجاز عاديا هذه الأيام لكنه في حينه كان تحقيقه أشبه بالمستحيل ذاته.


اقرأ\ي أيضاً| احذروا الأخطر على حركة التحرر الوطنية الفلسطينية!!

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى