مقالات

حرب أوكرانيا بعد مرور عام..ما هي مآلاتها؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – خبراء الحروب باتوا شبه متأكدين من أن الحرب في أوكرانيا قد تحولت إلى حرب استنزاف ربما تطول لسنوات، ويشاركهم في ذلك المستشار الألماني شولتز، وهي حرب لن تستنزف البلدين المتحاربين، روسيا وأوكرانيا وحسب، وإنما ستستنزف العالم بأسره وستؤثر على مستوى معيشة مئات ملايين البشر. حتى اللحظة فإن المشكلة تكمن بأن ليس هناك من مؤشرات ذات مغزى تقول إن الطرفين المتحاربين على وشك القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات بهدف إيجاد الحلول للأزمة دون سفك للدماء وهدر للطاقات والإمكانيات.

في 24 شباط من العام الماضي بدأت روسيا ما أسمته عملية عسكرية في أوكرانيا، وفي حينها لم يكن من المتوقع أن تستغرق هذه العملية سوى بضعة أيام أو عدة أسابيع في أبعد تقدير، وذلك بسب اختلال ميزان القوى بشكل كبير لمصلحة روسيا، ولكن كما هي لعبة الحروب، وكما تقول المقولة المعروفة بهذا الشأن “يمكنك أن تبدأ الحرب ولكن الأهم أنك لن تتحكم بكيف ستنتهي”. فمن الواضح أن الدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية، أرادت أن تحول الحرب إلى حرب استنزاف لروسيا، خصوصا مع هذه السلسلة القوية من العقوبات الاقتصادية، بالمقابل تراهن روسيا على الشعوب الأوروبية بأن تثور وتتمرد تحت وطأة المتاعب الاقتصادية وانخفاض مستويات المعيشة، نتيجة التضخم المالي وارتفاع الأسعار.

صعوبة إنهاء الحرب بسرعة تكمن في أسبابها، فروسيا تعتقد أن أوكرانيا تمثل عمقا استراتيجيا لها، وأنها تقع ضمن نفوذها الإقليمي، فما إن بدأت أوكــرانيا بالتوجه غربا بدأت موسكو تشعر بالخطر، خاصة بعد أن أعلنت كييف في مطلع عام 2022 أنها ستنضم إلى حلف الأطلسي “النيتو”. بالمقابل تريد أوكرانيا أن تعبر عن استقلالها الذي حصلت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وأن تمارس حقها بهذا الاستقلال على طريقتها.

ولكن المسالة أعقد من ذلك الأمر المباشر، فغالبا ما تفعل الأسباب التاريخية فعلها في تفجير الأزمات، فالحرب في أوكرانيا لها أسبابها الجيوسياسية والتاريخية، تماما كما يجري في الشرق الأوسط من أزمات وحروب لا تتوقف، وبالتحديد في فلسطين التي كانت عبر التاريخ عرضة للغزو لأسباب تتعلق بموقعها الاستراتيجي في مربع العبور بين آسيا وأفريقيا، أو لأسباب تاريخية ودينية، كما حصل بالحملات الصليبية، والآن من المشروع الصهيوني الاستعماري.

بما يتعلق بالتاريخ فلطالما اعتبرت أوكرانيا أنها جزء من الإمبراطورية الروسية، بل هناك من يعتبرها مهد بناء الشخصية الروسية بمقوماتها ومكوناتها الثقافية، وبما يتعلق بالهوية القومية. ولكن بالمقابل تطورت مع الزمن شخصية الشعب الأوكراني الخاصة به وتطورت هويته الوطنية المختلفة عن الهوية القومية الروسية، ولكن البعد الجيوسياسي يبقى هو العقبة الكأداء، فروسيا حتى لو استبعدت البعد التاريخي للصراع، فإن اعتبارها أوكرانيا كحديقة خلفية لها يمكن أن يهددها استراتيجيا إذا دخل طرف غريب قوي إلى هذه الحديقة كحلف النيتو مثلا.

من هنا فإن أوكرانيا تدفع ثمن موقعها وتاريخها وهما عاملان يقفان خلف معظم الحروب، وغالبا ما تكون مثل هذه الحروب طويلة، معقدة، قاسية ودموية، يعتقد فيها كل طرف أنه على حق تام. الحرب في أوكرانيا هي من هذا النوع المعقد، ومما يزيدها تعقيدا أنها تحولت إلى حرب بين الشرق والغرب، لن يقبل فيها أي طرف الهزيمة، لذلك يتحدث الخبراء اليوم عن حرب استنزاف طويلة ستنهك البلدين المتحاربين وتنهك العالم اقتصاديا.

الخطير في هذه الحرب أنها لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، صحيح أن العالم نجح حتى الآن في احتوائها وجعلها حربا محصورة بالبلدين وفي جغرافية محددة، ولكن هناك إمكانية لتوسعها بأن تضم دولا أخرى مثل بيلاروسيا أو بولندا والدول المجاورة الأخرى، وأيضا قد تتحول من حرب تدار بالأسلحة التقليدية إلى حرب تدخل إليها أسلحة دمار شامل أو حتى أن يستخدم فيها السلاح النووي التكتيكي إذا شعر أحد الأطراف أنه في خطر وجودي. ومما يحولها إلى حرب طويلة هو غياب أي محاولة دولية جادة للوساطة أو الضغط على الأطراف للانتقال إلى طاولة المفاوضات.

الحسم السريع للحرب بات خلف ظهورنا، وأن الحاجة اليوم هي لأن يستخدم العالم عقله أكثر من غرائزه، أن يكون أكثر حكمة وأن يبذل جهدا حقيقيا لوقف هذا النزيف المرعب. ولكن كل هذا لم يلح حتى الآن في الأفق، فما هو متوقع مزيد من سفك للدماء في ساحات المعارك ونزيف اقتصادي على مستوى العالم وأزمات متواصلة في سوق الطاقة والغذاء.

أما بخصوص الانعكاسات الأوسع، فهي عودة العالم لمنطق الحرب الباردة وسباقات التسلح وتكريس ميزانيات هائلة للدفاع وتطوير الأسلحة وصناعتها على حساب التنمية ورفاه الشعوب. النظام الدولي آخذ بالتغير من دون شك ولكن ليس هناك من عناصر جاهزة بين أيدينا لنحسم بالتحديد نحو أي نظام دولي نحن ذاهبون، ربما نحتاج إلى عدة سنوات لنكون متأكدين أي نظام دولي قد رسخ نفسه فعلا، وهل سيكون هذا النظام متعدد الاقطاب أم ستواصل الولايات المتحدة الطرف الأكثر تحكما في العالم، هناك مؤشرات أننا قد نكون أمام نشوب حرب أخرى في شرق آسيا مباشرة أو بالوكالة تتضح بعدها صورة النظام الدولي الجديد.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى