مقالات

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. لنتذكر سوية

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – اكتسب جورج حبش صفة “الحكيم” في البداية من كونه طبيبا، ويشهد له أنه كان يعالج الفقراء دون مقابل لكن هذه الصفة التصقت به لكونه بالفعل كان حكيم الثورة الفلسطينية، وأصبحت الصفة مشتقة هنا من الحكمة، اكتسب حبش هذه الصفة لأنه كان يزن الأشياء انطلاقا من ميزان الوطنية الفلسطينية، فرابط الوطنية هو الرابط الأقوى بالنسبة إليه، وكان يدرك أن الوطني الحقيقي هو القومي الحقيقي وهو الأممي الحقيقي أيضا، والأهم أنه مهما اختلف مع فتح في السياسة اليومية. كان يدرك أن ما يجمعه مع فتح أقوى من أي تحالف آخر ألا وهو الوطنية الفلسطينية. لذلك، وإذا قرأنا تاريخ الحكيم لوجدنا أنه مهما ابتعد كان يعود في النهاية إلى تحالفه مع فتح في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

بالمقابل كانت فتح تتعامل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بأنها الشقيقة الأقرب والأهم بالنسبة لها، فمهما اختلفا بالسياسة، كانت فتح ترى أن الوحدة الوطنية غير مكتملة من دون الجبهة، وتبذل جهودا خارقة لتبقي الجبهة لجانبها في إطار المنظمة وفي أحيان كثيرة تأخذ الجبهة حصة أكبر من حجمها لأن فتح كانت تعتبرها الشقيقة الأقرب. من هنا حكمة الحكيم كان يقابلها ود وتعاطف وتضامن من فتح، وهكذا بقيت العلاقة في كافة المراحل، فلا تحالفات خارحية مهما بلغت أهميتها كانت تتغلب على الوطنية الفلسطينية، ولم تكن أهم من علاقة الجبهة وفتح على أرضية هذه الوطنية وفي إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

جورج حبش، وعندما كان يدرس الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت أسس حركة القوميين العرب مع رفاق آخرين له، وكان يعتقد هو ورفاقه أن الوحدة العربية هي الطريق لتحرير فلسطين، كان يغلب لديه ما هو قومي على ما هو وطني، ولكن كغيره من قادة تلك المرحلة هزته هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وانتقل خطوة كبيرة نحو الوطنية الفلسطينية، وأصبح تحرير فلسطين هو طريق الوحدة، ومن هنا أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كانون الأول 1967، كرد على الهزيمة، لكنه ورغم هذا التحول بقي مؤمنا بالجماهير العربية، لذلك أطلق على فصيله اسم الجبهة الشعبية وجعل شعارها حرف (ج) ينتهي بسهم يخترق حدود فلسطين. بمعنى أن الجماهير الشعبية فلسطينية وعربية هي من ستحرر فلسطين.

بعد الانشقاق الكبير الذي شهدته الجبهة في ربيع العام 1969، وانبثق عن هذا الانشقاق ثلاثة فصائل، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة حبش، والجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، وهذا الأخير كان ضابطا في الجيش السوري في وقت سابق من حياته، بعد هذا الانشقاق تحولت الجبهتان الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية نحو الماركسية – اللينينية، ووضعتا نفسيهما كجزء من الثورة العالمية.


اقرأ|ي أيضاً| الفرق بين مقاومة فتح والمنظمة ومقاومة حماس


وبغض النظر عن كل هذه التطورات فإن الجبهتين تصرفتا من منطلق وطني فلسطيني، وكان ميزان الوطنية هو المتحكم بسلوكهما.

نعود للحكيم والذي اكتسب لقبه من كونه ضابط إيقاع تحركات الجبهة الشعبية، فما إن يشعر أن الجبهة أوغلت في بعض تحالفاتها العربية والإقليمية حتى يعيدها لمكانها الصحيح إلى حضن الوطنية الفلسطينية، والتي تمثل ميزانه الثابت والراسخ. وكان مهما ابتعد عن ياسر عرفات كان يعود ويمسك بيده وتستعيد الثورة الفلسطينية وحدتها، وتستعيد المنظمة وحدتها. ونذكر جميعنا القصة بعد خروج عرفات سالما من حصار طرابلس، من مخيمات شمال لبنان العام 1983 واختار الذهاب إلى القاهرة، التي وقعت للتو على معاهدة السلام مع إسرائيل، نذكر غلاف مجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية، وضعت على غلافها صورة ياسر عرفات في دائرة بندقية قناص وكتبت تحتها “الخائن”، وفي حينها تلقت الجبهة نقدا لاذعا من الرفاق السوفييت الذي قالوا لهم كيف تصفون رمز الثورة الفلسطينية والقائد التاريخي للشعب الفلسطيني بالخائن، بعد هذا الخلاف العميق الصعب عاد الحكيم ليضع يده بيد عرفات العام 1987 وأعادا توحيد منظمة التحرير الفلسطينية وانطلقت بقوة من جديد وما إن أعيد توحيد المنظمة حتى انطلقت في الأرض الفلسطينية المحتلة الانتفاضة الشعبية المجيدة.

استعراض هذا التاريخ هو بمثابة محاولة لإحياء الذاكرة الوطنية الحقيقية، عندما كان الجميع ينتصر ويحتكم للوطنية الفلسطينية وليس لأي شيء آخر. من دون شك أن هناك خلافات عميقة في الساحة الفلسطينية، ولكي نكون منصفين، فإن الخلافات كانت ملازمة للحركة الوطنية دائما، وفي أحيان كثيرة كانت عميقة، ولكن معالجتها مرة أخرى يجب أن تتم من خلال الانحياز للوطنية الفلسطينية، ومن هنا يأتي العتب على بعض الرفاق في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن هنا يأتي التمني بأن يعود الحكيم يوما ليقول ما الذي فعلته هذه القيادات بالعلاقات الوطنية، فهذه القيادات اختارت التحالف مع الآخر، مهما كان الآخر، على حساب الوطنية الفلسطينية، ومع ذلك يبقى الرهان على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قائما لأننا ندرك أن جذورها الوطنية صلبة وهو ما زرعه الحكيم فيها وتركه تراثا وطنيا للأجيال الفلسطينية القادمة، ستبقى فتح وفية للجبهة وتراهن على أن تبقى الجبهة وفية لفتح مهما حاول البعض نزع هذا الرابط الوطني القديم القوي بينهما.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى