مقالات

جنوب أفريقيا تلاحق العنصريين الإسرائيليين

جنوب أفريقيا تلاحق العنصريين الإسرائيليين

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – في العام 1986 كنت ضمن الوفد الفلسطيني الذي شارك في قمة عدم الانحياز في العاصمة الزيمبابوية هراري، وكان هذا البلد الجميل قد نال استقلاله للتو، هذه المشاركة مكنتني من معرفة قضايا مهمة، أولها مدى عمق العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين حركات التحرر الأفريقية، الى درحة ان رئيس زيمبابوي آنذاك روبرت موغابي أخبرنا خلال لقاء خاص، أن الشعب في زيمبابوي لن ينسى دعم منظمة التحرير والذي كان من الأسباب لنيلنا الاستقلال.

وخلال الزيارة، وأثناء محاضرة ألقيتها في طلاب كلية الإعلام في جامعة هراري، اكتشفت أن عددا لا بأس به من الطلاب والطالبات الحضور هم من جنوب أفريقيا، ما أدهشني معرفة هؤلاء بالقضية الفلسطينية ومعرفتهم اللافتة بمنظمة التحرير الفلسطينية، تاريخها وأهدافها وآليات عملها، ولمست كم كان ياسر عرفات ملهما لهم، وأيضا العلاقة بين المنظمة وحزب المؤتمر الوطني، حزب مانديلا، وكانوا على معرفة بدعم المنظمة الفلسطينية لهم.

بعد أن تخلصت جنوب أفريقيا من النظام العنصري أصر مانديلا، بعد خروجه من المعتقل العنصري، على لقاء ياسر عرفات للتعبير عن وحدة النضال ضد العنصرية، وفي أول زيارة له للولايات المتحدة الأميركية وردا على سؤال صحفي كيف يمكن أن تكون صديقا مع “الإرهابي” عرفات، قال مانديلا إن ياسر عرفات دعمنا ضد نظام الفصل العنصري لا في الأقوال بل بالموارد أيضا كي ننتصر. كما أصر مانديلا على زيارة فلسطين عام 1999 ولقاء أبو عمار في وطنه وليس في المنفى، من هنا لم يكن غريبا أن تبادر جنوب أفريقيا لأن ترفع دعوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وأن تقدم مرافعة منصفة وعميقة تستند إلى القانون الدولي الإنساني مشفوعة بالوثائق والفيديوهات لإثبات جرائم إسرائيل.

جنوب أفريقيا التي عانت على امتداد عقود طويلة من سياسة الفصل العنصري، المواطن الجنوب أفريقي لم يكن يعيش بمعازل عنصرية بائسة وحسب بل كان محروما من كافة الحقوق الإنسانية بما فيها أن يتملك أرضا من أرض وطنه، أو أن يحظى بالرعاية الصحية والتعليم، ولم يكن مسموحا لهم ممارسة غالبية الأعمال والمهن. لذلك، هذا الشعب، وهذه الدولة الأكثر قدرة على الشعور بالظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.

لقد بادرت جنوب أفريقيا بالذهاب لمحكمة العدل بعد أن أغلقت إسرائيل والولايات المتحدة كل الأبواب أمام جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار ووقف الحرب وأوصلتا كل هذه الجهود إلى طريق مسدود، بالرغم من أن 153 دولة قد صوتت في الجمعية العامة لصالح وقف الحرب. وصوت 13 عضوا من أعضاء مجلس الأمن الدولي من أصل 15، وبسبب إصرار الولايات المتحدة على التصويت السلبي (الفيتو) على أي قرار لوقف الحرب.


اقرأ\ي أيضاً| فشل المرافعة الإسرائيلية


اللجوء إلى محكمة العدل يأخذ أهمية خاصة، ليس من الجانب الأخلاقي أو بالقرارات النهائية. وإنما أيضا لما تملكه المحكمة من آليات وفرض إجراءات من شأنها أن توقف القتل، أو أقله أن تجمده إلى حين إصدار القرارات النهائية.

كانت هناك محطة تاريخية لافتة في تاريخ كل من فلسطين وجنوب أفريقيا، أن في كليهما غادرت بريطانيا البلدين عام 1948 وتركت فيهما نظامين للفصل العنصري، وأن عملية زرع النظامين كان بالأساس تدبير أو إستراتيجية بريطانية للهيمنة على قناة السويس ورأس الرجاء الصالح، كممرين بحريين حاسمين في التجارة العالمية. ربما من هنا شعر الشعب الفلسطيني بقرب الفرج عندما سقط النظام العنصري في حنوب أفريقيا، وأن الأمر يصلهم عبر أنها الاحتلال ونظام الفصل الإسرائيلي.

بالتأكيد الشعب الفلسطيني ينظر لخطوة جنوب أفريقيا بأنها من رفاق درب نضالي في وجه العنصرية، ومن طرف يدرك أكثر من غيره الحال الصعب والمرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في ظل عنصرية الاحتلال الإسرائيلي. والمسألة التي على العالم ملاحظتها أيضا هي الوضع في الضفة أيضا حيث حولت سلطات الاحتلال الإسرائيلية المدن والقرى والمخيمات إلى معازل عبر البوابات الحديدية التي تم تركيبها في مداخل المدن، إلى جانب الاقتحامات المكثفة والقتل والاعتقال وتدمير البنى التحتية خاصة في المخيمات الفلسطينية في جنين وطولكرم.

وربما من المهم أن تشكل دعوة جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية مقدمة لتشكيل جبهة عالمية ضد العنصرية وحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، صحيح أن العديد من الدول قد أعلنت انضمامها لدعوة جنوب أفريقيا وهذا أمر مهم، ولكن الأهم أن يتحول كل ذلك إلى عمل مستمر وممأسس في إطار جبهة موحدة تضم أكبر عدد من الدول ومنظمات حقوق الإنسان في العالم ضد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية بدأت منذ أكثر من مائة عام، وهي مرشحة للاستمرار لفترة طويلة قادمة، من هنا أهمية أن يكون هناك جهد مكثف ومتواصل في مواجهة العنصرية الإسرائيلية المتوحشة.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى