مقالات

قناة الجزيرة التي تحير المحير؟!

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – قد أبدو أنني أسبح عكس التيار الذي يعتبر قناة الجزيرة مصدرا موثوقا للمعلومة، وأحيانا يصل إلى درجة انها مصدر للحقيقة، والسبب ان الجزيرة تعتمد ذات الفلسفة التي ابتكرها الانسان لنفسه منذ آلاف السنين، وهي باختصار اللجوء الى الوهم وتغذية وبيع الوهم للسيطرة على عقل العامة، وإعادة انتاج الاسطورة التي يستهويها العقل البشري اكثر من الحقيقة الموضوعية.

ومن خلال تغذية الوهم، وعبر قدر كبير من الشعبوية تمرر الجزيرة الاجندة التي تريد تسويقها، وللحق هي بارعة في ذلك، وتمتلك ادوات وامكانيات وكادر محترف يتلقى رواتب ومكافآت فلكية بالقياس لاي قناة اخرى، كما انني كإعلامي وكاتب عمود، في العادة أجد صعوبة في تناول مؤسسة اعلامية أو زميل إعلامي لأنني منحاز بكل جوارحي لحرية الرأي.

الجزيرة بدأت بثها في الاول من تشرين الثاتي / نوفمبر عام 1996، ومنذ ذلك التاريخ تطورت لتصبح شبكة اعلامية ضخمة منافسة، وتمتلك كل الادوات الاعلامية ووسائل الاتصال المتطورة جدا. بدأت بمبلغ مالي قدره
135 مليون دولار، قدمها لها في حينه امير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، والآن يزيد انفاق الجزيرة السنوي عن مليار دولار، وهو مبلغ ربما يزيد عن ما تنفقه الـCCN الأميركية على سبيل المثال.

الجزيرة بالأساس قناة إخبارية باللغتين العربية والإنجليزية، وهناك الجزيرة الوثائقية وغيرها من القنوات، بالاضافة الى موقع الجزيرة نت وإذاعة الجزيرة، ومنتشرة على نطاق واسع في الفضاء الرقمي والالكتروني، وجميعها تعمل لصالح الأجندة ذاتها مع اختلاف في الاساليب بين القنوات العربية والقناة الانجليزية، فهذه الاخيرة ولكونها تخاطب الرأي العام العالمي تحاول ان تبدو اكثر موضوعية، او بشكل ادق تجاري الانماط والاساليب الغربية في الاعلام.

سجل الجزيرة خلال ما يقارب من ثلاثة عقود من عمرها، سجل فيه ما هو ايجابي ولكن حصيلة عملها كالتالي، كانت منذ البداية الحليف القوي لحركات الاسلام السياسي، وخاصة جماعة الاخوان المسلمين، وكان الشيخ القرضاوي احد ألمع نجومها، وفي سياق هذا التحالف كانت قريبة من القاعدة وتحصل دون غيرها على فيديوهات أسامة بن لادن، والظواهري بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والزرقاوي

وغيرهم من القادة، بعد غزو اميركا لافغانستان في العام نفسه، وغزو العراق في ربيع عام 2003. ولاحقا كانت قريبة من داعش، وبنفس الطريقة تحصل حصريا على فيديوهاتها وتقوم بنشرهها، وكذلك الامر لجماعة النصرة وكافة الحركات ” الجهادية ” والتكفيرية، التي في المحصلة مزقت دولا عربية مثل سوريا والعراق وليبيا.

وفي سجل الجزيرة، انها ناصرت بقوة ثورات “الربيع العربي”، وكان امرا ايجابيا. ولكن سرعان ما تبين انها تناصر وتنحاز بقوة للتيار الاخواني في هذه الثورات، وكان هذا واضحا في تونس ودعمها القاطع لحركة النهضة الاخوانية، وفي مصر وليبيا وسوريا، بمعنى انها دعمت دون تحفظ هذه التيارات لتكون هي وليس غيرها المستفيد من “الربيع العربي”، وقدمت له كل الدعم في انتخابات جرت بهدف إيصالهم للسلطة. كل ذلك بالرغم ان الجماهير التي ثارت كانت تهتف ضد الفساد والدكتاتورية وتنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، وتطالب بالدولة الديموقراطية الحديثة، دولة كل مواطنيها، بمعنى دولة علمانية متحررة وحرة. بعيدة عن الطائفية او الفئوية،.


اقرأ|ي أيضاً| إدانات لحملة التحريض التي تمارسها قناة الجزيرة وحركة حماس ضد السلطة الوطنية


الجزيرة كانت في العراق مع الحزب الاسلامي، ولم تنتقد داعش ومن ثم النصرة، وكانت في سوريا مع النصرة والحركات “الجهادية”، ومع حركة الاخوان المسلمين، والتي سيطرت على الثورة ومزقت الدولة الوطنية السورية، والامر ذاته في ليبيا دعمت الجزيرة جماعة الاخوان ودخول المرتزقة من الحركات الجهادية الى ليبيا وهي لا تزال كذلك، ولم نلاحظ ان الجزيرة قد ابدت حرصا على وحدة اراضي وسيادة الدول العربية، بل العكس كانت تدعم تفتيتها وتمزيقها وفلسطين من ضمنها.

هنا، في فلسطين تبدو الجزيرة كل الوقت انها منحازة للمقاومة وهذا من حيث المبدأ مرحب به ومطلوب، ولكن هي في حقيقة الامر، كما فعلت في باقي الدول العربية، دعمت الانقسام الفلسطيني بقوة، وكانت ترجح كفة جماعة الاخوان المسلمين ” حماس ” وتقوم بدعمها بقوة إعلاميا ودعائيا، ليس كونها حركة مقاومة وانما عندما كانت تخوض انتخابات تشريعية او بلدية. وفي الحرب الاخيرة، من ناحية المظهر العام فإن الجزيرة تبدو انها قناة المقاومة حصريا، وانها تفرغت كليا هي وامكانيتها الخرافية لصالح تغطية الحرب واعمال المقاومة، ووظفت العديد من الخبراء العسكريين، والمحللين السياسين، واغدقت عليهم المال ومكافآت فلكية. هذا يبدو انه عمل نبيل ولمصلحة المقاومة٠ ..!!

ولكن هل هو لمصلحة الشعب الفلسطيني؟ وهل هذا الدور لوجه الله اما ان هناك من يقبض ثمن تفاني الجزيرة والعاملين فيها، ولخدمة من هذا التفاني، ومن هي الجهات المستفيدة من هذه العلاقة بين الجزيرة وحركات الاسلام السياسي، والحركات ” الجهادية ” من جماعة الإخوان الى القاعدة والنصرة؟

في الحالة الفلسطينية من هو المستفيد من الايحاء المستمر ان ” المقاومة بخير ” ويروج الى الهزائم العسكرية الإسرائيلية، في حين ان الواقع يقول ان ما يتم هو إنهاء وجود قطاع غزة واقتلاعه من جذوره، ربما علينا ان نسأل الجزيرة هل مصلحة حماس هي اهم من مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية التي تمر اليوم في اخطر حالاتها؟ تتصرف كذلك. هل المهم ان تمتلك القوى الإقليمية أوراقا تقايضها مع واشنطن وغيرها على حساب دم الشعب الفلسطيني ودماره؟ بالفعل ان الجزيرة تثير الحيرة مع العلم انها في كل مرة تثبت مدى قدرتها على تمرير اجندتها، ويبقى الامر متروكا للمشاهد ان هو اعتقد ان الجزيرة هي مصدر الحقيقية، ولكن هي بالتأكيد ليست كذلك.

 

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى