المزايدات لم تحرر شبراً من الأرض

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – واحد من أخطر الأمراض في الساحة الفلسطينية، الى جانب مرض التشرذم والانقسام، هو ظاهرة المزايدات واللجوء الى استخدام الشعارات الطنانة غير القابلة للتحقيق. وأصحاب المزايدات هم أنواع، ابسطهم أولئك غير الملمين بطبيعة الصراع وما فيه من تعقيدات، ولا يدركون كم هو ميزان القوى يميل لصالح المشروع الصهيوني، وهؤلاء يتغذون على الشعارات والتي لها مفعول المخدر بالنسبة لهم، وفي الغالب يظهرون اكثر في الأزمات. ومن ثم يختفون تماما، ويمارسون حياتهم كالمعتاد.
اما النوع الثاني فهو الانتهازيون الوصوليون، وهم موجودون في الفصائل وبين النشطاء المستقلين، ومن النخب التي تمول من الخارج وهؤلاء في الغالب يدركون طبيعة الصراع لكنهم يستخدمون المزايدات والشعارات رغبة في الظهور وبحثا عن دور قيادي أو حتى التخريب السياسي وتشويه الوعي وخلط الأوراق، او أنهم يعملون لمصلحة اجندات خارجية.
وتأتي الفصائل والتنظيمات، فظاهرة المزايدات رافقت عمل الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بدايات تأسيسها في مطلع عشرينيات القرن العشرين وكثيرا ما تغذت هذه الفصائل ونمت عبر المزايدات، دون الأخذ بالاعتبار مخاطر ذلك على القضية الفلسطينية. كانت هذه الظاهرة موجودة بقوة قبل نكبة العام 1948. وكانت احد أسباب حصولها بهذا الحجم المريع الى جانب الانقسامات، وهي كانت موجوده بقوة ايضا في تجربة الثورة الفلسطينية بعد الستينيات من القرن الماضي. وكانت في كثير من الأحيان سببا في الدخول في معارك جانبية استنزفت الشعب الفلسطيني، على سبيل المثال عندما طرحت بعض الفصائل ابان وجود الثورة في الأردن، شعار “لا سلطة فوق سلطة المقاومة”، او المبالغة بطغيان الكفاح المسلح على حساب العمل السياسي والاعلامي. استمرت المزايدات كنمط عمل للعدد من الفصائل والتي كانت تتحدث اكثر مما تفعل، وحتى عندما كانت تفعل، كان الفعل له علاقة بالحصول على تمويل، او مناكفة بالفصائل الاخرى.
وإن كانت المزايدات ومخاطبة الغرائز والأمنيات هي ظاهرة عالمية في عالم السياسة، وهي موجودة في الدول الكبرى والصغرى والمتطورة والنامية، لكنها في الساحة الفلسطينية هي ظاهرة مدمرة كلفت الشعب الفلسطيني الكثير ومنعت أي امكانية لنهج سياسة واقعية فعالة يمكن تحقق انجازات بأثمان أقل بكثير.
كما منعت المزايدات من ان يمتلك الشعب الفلسطيني ستراتيجية وخطط عمل منتجة وقادرة على مراكمة الانجازات. وإذا أخذنا مقطع من التاريخ الفلسطيني، الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 – 1939، فإننا نلاحظ ان ما حرم الشعب الفلسطيني إستثمار تضحياته بشكل صحيح ومثمر في تلك الثورة، هي اولا: تردد القيادة، التي لم تكن قادرة على اخذ زمام المبادرة وقيادة الشعب بشكل فاعل، كما سلمت هذه القيادة القرار الوطني الى الحكام العرب، وثانيا: الانقسامات، وثالثا: مرض المزايدات، فقد حرمت هذه الاخيرة الشعب الفلسطيني من ان يتوحد على موقف منطقي وعقلاني يمكن ان يقلل الخسائر، وان يبنى عليه في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري.
واليوم خلال الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة ظهر كل أنواع المزايدين، ومن دون ان يقدموا شيئا فعليا لشعبنا في قطاع غزة.
وخطورة المزايدات والمزايدين انهم يشرعون أبواب التدخلات الخارجية بالشأن الفلسطيني، فهناك دول وأنظمة ترى في المزايدين ضالتها للتدخل دون ان يكون لها نية او حتى تفكير حقيقي لمواجهة إسرائيل.
ما يحتاجه الفلسطينيون، ومن حولهم العرب هو مواجهة كل تجربة الصراع مع المشروع الصهيوني، وان يكون هناك حلقة نقاش وتقييم موضوعي ولكن بعيدا عن المزايدات التي لم تجلب للشعب الفلسطيني الا الويلات، ولم تحرر له شبرا واحدا من فلسطين. انها دعوة جادة وضرورية وعلى أصحاب القرار أخذ المبادرة وإجراء هذا التقييم بعيدا عن إلقاء اللوم على الآخر فقط.