لنضع النقاط على حروف الحرب!!!؟

لنضع النقاط على حروف الحرب!!!؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – في العادة تجرى التقييمات ذات الطابع الإستراتيجي بعد انقضاء الحدث، بهدف الاستفادة من الدروس والعبر، ومع ذلك هناك تقليد متبع في المؤسسات الديموقراطية أن تجري تقييمات روتينية أثناء الحدث، كي يتسنى لأصحاب القرار معرفة جدوى الاستمرار بالحدث أو المشروع أو العملية من عدمه، فما بالنا ونحن أمام حرب إبادة جماعية بشعة جدا، ووحشية جدا في قطاع غزة. أهمية التقييم خلال هذه الحرب هو في محاولة منع الاستمرار بلعبة خلط الأوراق الدارجة في الساحة الفلسطينية، وعملية طمس الحقائق عبر المزايدات. الأمر الذي يجعلنا نكرر أخطاءنا مرة تلو الأخرى. وقد يقال هنا ما دامت الحرب مستمرة ليس من المفيد الحديث عن التقييم، ولكن هل توقفت عمليات خلط الأوراق والتضليل التي تصور الأوضاع وكأننا نحقق انتصارا.

سؤال بسيط يمكن أن يعفينا من نقاش بيزنطي طويل، والسؤال، هل الواقع الفلسطيني كان أفضل أم أسوأ قبل السابع من أكتوبر وبعدها؟ قبل الحرب أو بعدها، بالرغم أنها لم تتوقف بعد والدمار والقتل مستمران بوتيرة متزايدة ووحشية؟

لنبدأ في الإجابة من قطاع غزة، وكيف آلت أموره بعد السابع من أكتوبر:

أولا: القطاع كان قائما ومحررا قبل الحرب. كانت هناك حياة فيه تسير ضمن وقع معقول وكانت كافة القطاعات تعمل، اليوم قطاع الإسكان مدمر بنسبة تفوق الـ75%، وإن أكثر من 60% من البنى التحتية شبكات ماء وكهرباء، والطرق والمجاري، كما دمر أكثر من 50% من المدارس والجامعات، عوضا عن دمار المستشفيات والعيادات، وتقدر الأمم المتحدة أن القطاع لن يعود كما كان قبل العام 2040 على أقل تقدير. وأنه بحاجة إلى 50 مليار دولار لإعادة بنائه. ويعلق بعض المحللين أن فيتنام وبعد عقدين من الحرب لم يلحق بها دمار كما لحق بغزة بعشرة أشهر.

ثانيا: اقتصاد القطاع. فالحديث يدور على أن مقدرات قطاع غزة الاقتصادية قد دمرت بالكامل أو بنسب مرتفعة لم يعد معها بالإمكان إعادة عجلة الاقتصاد مباشرة بعد وقف الحرب ولا حتى بعد ذلك بسنوات.

ثالثا: على صعيد الاحتلال، فالقطاع كان محررا منذ العام 2005، عندما قرر شارون في حينه الانسحاب من جانب واحد وقام بتدمير كافة المستوطنات. اليوم أعيد احتلال القطاع. وأصبحنا نفاوض على انسحاب جيش الاحتلال منه. بدل أن نفرض شروط وقف اعتداءات المستعمرين على المسجد الأقصى. وهناك معلومات يتم تداولها بأن جيش الاحتلال قد يسيطر على ربع القطاع (26% من مساحته) لسنوات طويلة قادمة فالمعلومات تشير إلى أن إسرائيل تقوم بإنشاء بنى تحتية لمعسكرات وطرق خارج التجمعات السكانية بالإضافة إلى تقسيم القطاع إلى قسمين شمال وجنوب، وربما تقسيمات أخرى، بالإضافة إلى ما قد تقوم به إسرائيل من تغييرات ديموغرافية وتهجير في القطاع. والأخطر قرار الجيش الإسرائيلي البقاء في شريط فيلادلفيا الحدودي مع مصر والسيطرة على معبر رفح بطريقة أو أخرى.


اقرأ|ي أيضاً| سؤال إعادة إعمار غزة ومنع ضم الضفة


رابعا: الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها، والتي تقدر بأكثر من 40 ألف شهيد ومائة ألف جريح وآلاف الأسرى، وما قد لا يلاحظ مباشرة هو العدد الهائل من أصحاب الإعاقات، ممن فقدوا أطرافهم. أو أعينهم ويحتاجون إلى رعاية ومؤسسات تتحمل مسؤولية إعاشتهم، ويأتي البعد النفسي فسكان القطاع أصبحوا جميعهم بحاجة إلى علاجات نفسية مكثفة، وخاصة الأطفال الذين مروا بتجارب مرة من الفقدان والخوف والجوع.

باختصار قطاع غزة تحول إلى منطقة غير قابلة للحياة والعيش، مع العلم أن الحرب لم تنته بعد وأن عداد التدمير والقتل لا يزال يعمل بقوة وكثافة.

أما الضفة التي أصبحت مهددة فعلا بمخطط الضم، الذي أصبح الحديث الإسرائيلي بشأنه علنيا ويطبق بكثافة على الأرض بعد السابع من أكتوبر. فإن الضفة أصبحت تعيش في ظل واقع اقتصادي على وشك الانهيار التام. والبطالة ازدادت بنسبة 130 بالمئة. والحصار الاقتصادي زاد حدة على السلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى العديد من المصانع والمشاريع التي أغلقت أبوابها، كما قطعت الحواجز العسكرية الإسرائيلي وإرهاب المستوطنين أوصال الضفة وأصبح التنقل بين المدن والقرى الفلسطينية أمرا صعبا للغاية ومحفوفا بالمخاطر.

لقد دمرت مقدرات الشعب الفلسطيني ودمر اقتصاده وهذه أمور في غاية الأهمية لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتنمية حياته في وطنه، وأن البيئة التي خلفتها الحرب هي بيئة هجرة وتهجير وليس صمودا.

أم على الصعيد السياسي، صحيح أن القضية الفلسطينية قد عادت إلى مركز الاهتمام وأن تحولات في الرأي العام إيجابية قد حدثت لمصلحة القضية الفلسطينية بسبب المجازر الإسرائيلية البشعة. وبسبب مبالغتها في حرب الإبادة، وصحيح أن دولة فلسطين قد حصلت على اعترافات مهمة ومن دول مهمة. ولكن كل هذا قد يتبخر إذا بقي الشعب الفلسطيني منقسم بعضه على بعض. وأن يبقى قطاع غزة منفصلا عن الضفة. كما أن حجم الإيجابيات بالمقارنة بحجم الدمار الشامل وانهيار الاقتصاد، تبقى معرضة للتآكل والاندثار.

لقد كشفت الأزمة الراهنة مدى الخراب الذي حل بالنخب الفلسطينية، التي اتبع قسم كبير منها منافعه الشخصية وقبلوا بأن يتم استخدامهم من دول ومؤسسات لصالح أجندات خارجية. كان واقع النخب هكذا قبل العام 1948 وبعده لكنه اليوم أكثر خطورة، لأن مهرجانا ضخما من المزايدات والتضليل برعاية ودعم أموال الغاز والنفط قد أعمى عينهم عن مصالح شعبهم وخاصة في قطاع غزة.

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى